قال الشارح: وممّا يُعلَم به أنّه ممدود أن تجد المصدرَ مضمومَ الأول، ويكون للصوت، نحو: "العُواء" وهو مصدر "عَوَى الكلبُ عُواءً"، و"الثُّغاء" وهو صوت الشاء والمَعْز، يقال: "ثَغَت تَثغُو ثُغاءً" إذا صاحت، و"الدُّعاء" مصدر "دَعَا يَدْعُو دُعاءً". ومنه "الرُّغاء"، وهو صوت ذات الخُفّ، يقال: "رَغَا البعير يَرْغُو رغاءً"، إذا ضجّ. و"الزُّقاء"، وهو الصُّياح، وقياسُه من الصحيح "الصُّراخ"، و"النباح" و"البُغام"، و"الضباح"، وهو كثير.

و"البُكاء" يُمَد ويُقصَر، فمن مدّه ذهب به مذهبَ الأصوات، ومن قصر جعله كالحَزَن، ولم يذهب به مذهب الصوت، وقياسُ القصر ضعيف, لأنه لم يأت من المصادر على "فُعَلٍ" إلا "الهُدَى"، و"السُّرَى". ويكون العلاج كذلك، نحو: "النزاء"؛ لأن نظيره "القُماص"، والنُّزاء كالوُثُوب، و"القُماص" من "قَمَصَ البعير"، وهو كالجَمْز.

ومما يعلم به أن واحده ممدود، ما كان في الجمعِ على مثال " أَفْعِلَةَ"، نحو: "قَباءٍ"، و"أقبِيَةٍ"، و"رِشاءٍ"، و"أَرْشِيَةٍ"، كما أن واحد "الأقْذِلَةِ" "قَذالٌ"، فدل "أَفعِلَةُ" على مدّ الواحد؛ لأن "أفعلة" إنّما هو جمع "فَعالٍ" أو"فِعالٍ"، أو"فُعالٍ"، كقولك: "قَذالٌ"، و"أَقْذِلَةٌ"، و"حِمارٌ"، و"أَحْمِرَةٌ"، و"غُرابٌ"، و"أَغرِبَةٌ".

فأما "نَدَى"، و"أَنْدِيَة" فشاذ فيما ذكره سيبويه (?)، كأنهم جمعوا ما لم يُستعمل واحده، كما أن "حَرائِرَ"، و"كَنائِنَ"، في جمع "حُرَّةٍ"، و"كَنَّةٍ" كذلك. ومثله "مَلامِحُ"، و"مَشابِهُ"، و"مَذاكِيرُ". وقيل: إنّهم نزلوا الفتحة منزلة الألف، فصار "نداء" كـ"قَذال"، فجمعوه جمعه، كما نزّلوا الألف في "كِساءٍ"، و"رِداءٍ" منزلة الفتحة، فأعلّوا الواو والياء ألفَين، كما يفعلون في "باب"، و"ناب". وقال بعضهم: جُمع "نَدى" على "نِداء" كما قالوا: "جَمَلٌ"، و"جِمالٌ"، و"جَبَلٌ"، و"جِبالٌ"، ثم جمع "فِعالٌ"، على "أَفعِلَةَ"، فيكون "أندية" جمعَ جمع. وقول صاحب الكتاب هو في الشذوذ كـ"أَنْجِدَةٍ" في جمع "نَجْدٍ"، والنجد ما ارتفع من الأرض. ومنه قوله [من البسيط]:

868 - يَغْدُو أمامَهُمُ في كل مَرْبَأَةٍ ... طَلاعُ أَنْجِدَةِ في كَشْحِهِ هَضَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015