وباقي الأمثلة تُجمع في القلّة على "أفْعالٍ"، نحو: "أفراسٍ"، و"أكْتافٍ"، "أعْضادٍ"، و"أجبالٍ"، و"أعْنابٍ"، و"آطالٍ"، و"أبْرادٍ"، و"أعْناقٍ"، وجمعُها الكثير "فِعالٌ" و"فُعُولٌ"، نحوُ: "جَمَلٍ"، و"جِمالٍ"، و"بُرْد"، و"بُرُود"، ما خلا "فُعَلًا"، فإنّ بابه أن يُجمع على "فِعْلانَ"، نحوِ: "صُرَدٍ"، و"صِرْدانٍ"، و"جُرَذٍ"، و"جِرْذانٍ" يستوي فيه القليلُ والكثيرُ، وأصلُه الكثرة، والقلّةُ داخلةٌ عليه، ويُفرَق بينهما بقرِينة.
فإن قيل: ولِمَ اختصّ جمعُ القلة بـ"أفعُلَ"، و"أفْعالٍ"؟ فالجواب أنّه لما كان بين جمع القلّة والواحد من المشابهة، ما تقدّم ذكرُه من كونِ صيغته مستأنفةً له، ويجري عليه كثيرٌ من أحكام المفرد، من نحوٍ عود الضمير مفردًا إليه، كقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} (?)، وجوازِ تصغيره على لفظه، ووصفِ المفرد به من نحوِ: "بُرْمَةٍ أعشارٍ"، و"ثَوْبٍ أسْمالٍ"؛ اختاروا هذَيْن البناءَيْن؛ لأنّهما لا يكاد يُوجَد لهما نظيرٌ في الآحاد، ليُعلَم أنّهما للجمع، ولا يقع فيهما التباسٌ بالواحد.
فإن قيل: ولِمَ اختصّ "أفْعُلُ" بـ"فَعْلٍ" ساكنَ العين مفتوحَ الفاء؟ قيل: لخفّته وكثرةٍ استعماله؛ اختاروا له أخفَّ اللفظَيْن وأقلَّهما حروفًا؛ لأنّ بنية الجمع على حسب واحده، فإذا كان الواحد خفيفًا قليلَ الحروف، قلّت حروفُ جمعه وحركاتُه اللاحقةُ لتكسيره، وإذا ثقُل الواحد، وكثُرت حروفه، كثُر ما يلحق جمعَه لِما ذكرناه من أن الجمع يكون بزيادةٍ على الواحد.
فإن قيل: ولِمَ اختصّ "فُعَلٌ" مضمومَ الفاء مفتوحَ العين بِـ"فِعْلان"، نحوِ: "نُغَرٍ"، و"نِغْرانٍ"، و"جُرَدٍ" و"جِرْذانٍ"؟ قيل: لوجهَيْن:
أحدُهما: أنّ هذا البناء لمّا اختصّ بضرب من المسمَّيات، وهو الحَيَوانُ، ولزِمه، فلم يفارقه إلى غيره، ولم يكن غيرُه من الأسماء كذلك، فإنّها لا تلزم مسمّى خصّوه بهذا