. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وَلا بدَّ أَوَّلًا مِنْ تنقيحِ مَعْنى الاستحسانِ، وَقَدْ كَثُرَت فِيهِ العباراتُ، وَلَيسَ المرادُ بالاستحسانِ المختلفِ فِيهِ: فِعْلَ الواجباتِ وَالأوْلَى؛ فإنَّه مُتَّفَقٌ علَيهِ؛ قَال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17 - 18] وَلَا مَا تَميلُ النَّفْسُ إِلَيه مِنْ غَيرِ دَليل شرعيٍّ؛ فإِنَّه مَرْدُودٌ بِالإِجْمَاعِ.
وَقِيل في حدِّهِ: إِنَّه دليلٌ خَفِيٌّ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ المجتَهِدِ تضيقُ العبارةُ عَنهُ.
قال الغَزَّالِيُّ: وهذَا هَوَسٌ؛ فإنَّ معانِيَ الشَّرْعِ إِذَا لاحَت في العُقُولِ، انطلقتِ الأَلْسُنُ بالتعبيرِ عَنْها، وَمَا لَا تَقْدِرُ النَّفْسُ عَلى الإِفصاحِ عنه مِنَ الخواطِرِ - وَهْمٌ وَخَيالٌ.
وَالأَقْرَبُ أَنْ يقال: مَا يجدُهُ في نفسِهِ، إنْ شَكَّ في كَوْنِهِ دَليلًا، فَلا نزاعَ فِي رَدِّهِ، وَإِنْ تحقَّق، فلا نزاعَ في التمسُّكِ بِهِ، فيئولَ الخلافُ فيهِ إلى اللَّفْظِ.
وقيلَ: هُوَ العُدُولُ عَن مُوجِب قياسٍ إلى قياسٍ أَقْوَى مِنْهُ. وَحَاصلُ هَذا: العملُ بالقياسِ الرَّاجِح، وَلَا نَزاعَ فيهِ أَيضًا.
وَقِيلَ: هُو تخصيصُ قياسٍ بدليلٍ أَقوى مِنهُ. وَخاصِلُهُ أَيضًا تَركُ القياسِ للدليلِ الراجِحِ، ولا نزاعَ فِيهِ.
وَقَال الكَرْخِيُّ: هُوَ العدولُ بالمسألةِ عن نَظائِرِها لِوَجهٍ مِنَ الدليلِ يخصُّها.
وَاعْترَضَ علي ظاهرِ اللفظِ: بأنَّه يلزمُ أَنْ يكونَ تخصيصٌ العمومِ بنصٍّ أَو قياسٍ استحسانًا. وَأَرادَ أَبُو الحُسَينِ الاحترازَ عَن هذَا السُّؤَالِ، فَقال: هُو تَرْكُ وَجْهٍ مِن وجوه الاجتهادِ غَيرِ شَاملٍ شمولَ الألفاظِ لِوَجْهٍ هُو أقوَى مِنْهُ، هُوَ في حُكم الطارئ، فَلا يَرِدُ عَليهِ تخصيصُ العُمُومِ والاستثنَاء؛ لأَنَّهُ شاملٌ شُمُولَ الألَفَاظِ، ولا التَّخصِيص بالقياسِ؛ لِكَوْنِ الثاني لَيسَ في حُكمِ الطَّارئِ.
وَيُرَدُّ عليهِ بأنَّ هذَا يقتضِي أَنْ يكونَ الاستحسان أقوى مِنَ القياسِ، وَهُوَ على خلاف نصٍّ