الأَمرُ عَلَيكَ بَعدَ الشرُوعِ، فَإِني أَكْتَفِي مِنْكَ بِمِقْدَارِ مَا وَصَلْتَ إِلَيهِ"؛ فَكَذَا ههُنَا.
===
واحتج أبُو يُوسفَ بقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وقرره الفارسي، فقال: {أَرَاكَ} هنا لا يستقيمُ لإرادةِ العينِ؛ لاستحالتِهِ في الأحكامِ، ولا بمعنى الإغلامِ؛ لِوُجُوبِ ذِكْرِ المَفْعُول الثالِثِ لِذِكر الثانِي؛ لأَن المَعنى بما أراكَهُ اللهُ؛ ليتم الكلامُ، فَوَجَبَ أن يكون تقديره: بما جَعَلَهُ اللهُ لك رَأيًا، وهو المقصُودُ.
واحتجوا بأنه أَعلَمُ بطريقِ الاستنباطِ وأبعَدُ عن الخطإِ إِنْ جُوِّزَ عليه، ولا يقر عليه بالإجماع؛ فلو لَم يَقضِ به، لكان تاركا لحُكمِ الله تعالى في ظَنِّهِ، وهو حَرَام بالإِجماعِ.
وأُجِيبَ بأن ذلك فَرْعٌ لِلتعبدِ بِهِ، ولو سُلِّمَ أنه ليس فَرعَهُ، فالعَمَلُ بالظن مشروط بعَدَمِ مَعرِفَةِ الوحي، وأنه قادر عَلَيهِ.
واحتج المانِعُونَ بقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، واعترضَ بأنه ظاهِر في الرد عليهم فيما يقولونه في القرآن، ولو سُلَّمَ: فإذا تعبد بالاجتهاد بالوَحيِ، لَمْ يَنطِق عن الهوَى.
قالوا: لو جَازَ لَجَازَ أن يخَالفه غيرُهُ، وأنه لا يُذَمُّ مخالفه؛ لأنه من أحكام الاجتهادِ.
واعترض بأنه إذا كان الإجمَاعُ في اجتهاد يُذَم مخالفه، فاجتِهادُه - عليه السلام - أولَى.
قالُوا: لو كَان مجْتَهِدًا لما تأخر في أَجوبَةِ كثيرة من الأحكامِ؛ لوجوب الاجتهادِ عليه.
واعترضَ: بأنه يتوقف؛ لجوازِ الوحي المشروطِ عَدَمُهُ في الاجتهادِ، أو لاستفراغ الوُسعِ في الاجتهادِ.
قالُوا: هو قادر على اليَقِينِ فيحرُمُ عَلَيهِ العَمَلُ بالظن، وينسخ حُكمِهِ بالشهادَةِ وبالأَيمَانِ.
ومما اختَلفُوا فيه: جوازُ الاجتهادِ لِغَيرِهِ في عَصرِهِ، وفيه أَقوال:
قيل: يجوز مطلقًا.
وقيل: لا يجوز مطلقًا.
وقيل: يجوزُ لِقُضَاتِهِ ونُوابه في غيبته.
وقيل: يجُوزُ بإذن خاص.
ومنهم من توقف مطلقا.