وَالجَوَاب: أَن كَثِيرًا مِنَ الناس قَالُوا: إِنهُ مَأمُور بِأن يَعمَلَ عَلَى وَفقِ الدلِيلِ، وَلَا يَجوزُ لَهُ أَن يَعمَلَ بِمُقتَضَى اجتِهَادِهِ، حِينَ يَشرَعُ فِي الاجْتِهَادِ عَلَى الإِطلاقِ.
وَلَئِن سَلَّمنَا؛ لَكِن لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: إِن المُجتَهِدَ -حِينَ شَرَعَ فِي الاجْتِهَادِ- كَانَ مَأمُورا بِطَلَبِ الحكْمِ الذِي عَيَّنَهُ الله تَعَالى، وَنَصَبَ عَلَيهِ الدلالةَ وَالأَمَارَةَ، ثُمّ لَما أَمعَنَ الْمُجْتَهِدُ فِكْرَهُ، وَعَجَزَ عَنِ الوُصُولِ إلَيهِ، تَغَيَّرَ حكْمُ الله تَعَالى، وَاكتُفِيَ فِيهِ بِالقَدْرِ الذِي وَصَل إِلَيهِ، وَهذَا كَمَا أَن السيد الرحِيمَ الحَلِيمَ يَقُولُ لعَبْدِهِ: "افْعَل كَذَا وَكَذَا، فَإِن ثَقُلَ
===
فيما طريقُهُ الاجتهادُ؛ وبقوله تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، ولا يُمكِنُ فيما عُلِمَ مِثلُهُ بالوَحيِ.
واحتج أيضًا بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] وهو عام فيندرجُ فيه، ولأن العَمَلَ بِالاجتهادِ أشَق؛ فكان أفَصلَ؛ لقوله - عليه السلام -: "أَفضَلُ العِبَادَاتِ أَحمَزُهَا" وبقوله -عليه السلام-: "العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ"، ومنَ المُحَالِ: أن يُورثَ ما لم يملك، وبقوله -عليه السلام-: "أَرَأَيتَ لَو تَمَضمَضتَ"، وبقوله: "أَرَأَيتَ لَو كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ".