. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومِنهم مَن فَرَقَ، فقال: إن كانَت صورةُ التخلُّف والاستثناءِ غَيرَ معقولةِ المَعنَى؛ كإيجابِ الدِّيَةِ على العاقلَةِ مثلًا- فلا يقدح, وإنّ ظَهَرَ في صُورَةِ الأَصلِ والنَّقض مَعنى فقهِيُّ- قَدَحَ؛ فإنه لا بُد من قَيد في العلَّةِ، والمذكررُ جزءُ العلةِ. وهذا اختيار الإمامِ. وضُعفَ هذا الإطلاقُ بأن الفَرْقَ قد يَرجع إلى معنى موجوب في الأصل، معدوم في صورةِ النَّقضِ؛ فيكون المذكورُ بعضَ العلةِ كما زعموا؛ فيقدَحُ, وقد يكُونُ الفَرقُ بأمر موجود في صورة النقضِ، معدوم في صورة الأصلِ؛ فلا يقدح، ويكون انتفاءُ الحكم في صورةِ النقضِ على هذا التقدير لمانِع، والعدمُ لا يكونُ علة ولا جزءًا من العلَّةِ، والأولون لَا يَمنَعونَ من أَخذِهِ جزءًا، وعِندَ هذا يرجِعُ الخلافُ إلَى عبارة؛ فإن من لا يرى التخصيصَ، ويأخذُ نقيضَ العلم المانِعِ، أو لازِمَ نقيضِهِ جزءًا من العلةِ. وجملة الشرائط في مسمى العلة تفسير العلَّة بالمثبَتِ التام، وإن سُمِّي بعضُهَا محلًا؛ كَمِلكِ النصابِ، وبَعضُهَا شَرطًا؛ كالحَولِ، وبعضها أَهلًا لكونِ المالِكِ حُرًّا، مسلمًا- فهو عندَهُ إشارةٌ إلَى اختلافِ جهة المناسبات, ومن يَرَى تخصيصَ العلةِ، ويقولُ: إنْ النقضَ لا يقدَحُ، إذا أمكَنَ حَملُ التخلُّف عَلَى وجودِ مانع أو انتفاءِ شرّط لا يفسر العلة بالمُثبَتِ التام الذي لا يتخلف عنه أثَرُهُ بحال؛ وإنّما يفسره بالباعِثِ، وبما هو مناطُ المصلحةِ؛ وعلى هذا، فلا يمتنعُ أن يتحقَّقَ مناطُ المَصلَحَةِ بشرَائِطِهِ وانتفاءِ موانِعِهِ في الأصلِ، ويتخلف الحُكمُ في صورةِ النقضِ لمعارِض يسيرُ بتَقدِيرِ ثُبُوتِ الحُكمِ فيها إلى حصولِ مَفسَدَة مساويه لمصلحةِ الحُكم، أو تترجح عليها أو ذوات مصلحةٍ أهَم في نَظرِ الشَّارع؛ كتعليلِ القِصَاصِ في المسلم بالمسَلم غير ذي الولادة بالقتل العمدِ العدوانِ، مع مَنع جريانه في قتل الوَالِدِ؛ للأبوَّةِ؛ فإنه كان أصلًا في وُجُوده؛ فلا يكونُ سببًا لعَدَمِهِ، وفي قتلِ المُسلم بالكافِر؛ لتفويتِ فضيلةِ الإِسلام, وتعليلِ تحريم أكلِ الميتةِ بالاستخباثِ، وإباحَةِ تنَاوُلها حَال المَخمَصَةَ لحفظ النفْسِ؛ فإن المحَافَظَةَ عَلَيها من الضّرُورِيات، وتحريم التناوُلِ لها من التزييناتِ، وهذا المذهب أعدلُ المذاهِب؛ وعليه يدورُ البَحثُ عند الأكَثَرِينَ في المناظَرَاتِ، فإن المستثنَيَاتِ من العِلَلِ المُجْمَعِ عليها شَرْعًا في الجملة لا تُنكَرُ؛ كجوازِ بيع العَرَايَا عَلَى كل علَّة، وضَرْبِ الدِّيَةِ على العاقلةِ، ولأَجلِ هذا قال قَوْمٌ: إن كانَت صورةُ النقضِ واردة على العِلَّتَينِ- لم تقدَح؛ كالعَرَايَا، وإلا قَدَحَتْ. وهذا الفَرْقُ لا حَاصِلَ له؛ فإنه يرجعُ إِلَى مقابلة الفَاسِدِ بالفَاسِدِ، وحاصله أن التخلف في مِثل هذه الصورَةِ مَحْمُولٌ على مانِع اتفِقَ علَيهِ في الجُمْلَة.
قوله: "حجة القائل الأول":
يعني المانعَ من التخصيصِ، قال: "وجوه", ولم يذكر ها هنا سوَى وجهَينِ، وكثيرًا ما يقعُ ذلك مِنْهُ، ولَعَلَّهُ يَعْني أن لهم وجُوهًا في الجملةِ، والأقوَى منها ما ذَكرَهُ.
قولُهُ: "الأَوْل: أن كَوْنَ الوصفِ مؤثرًا في الحُكم: إِما أتى يكون من حيثُ هو هُوَ مِنْ غير أنْ يُعْتَبَرَ في حصول ذلك التأثيرِ قَيدْ آخَرُ سواه، أو لابُدَّ مع ذلك الوصُفِ في إدارةِ الحُكمِ عليه