الثاني: خَبَرُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَلِكَ أَنَّهُ ادَّعى كَوْنَهُ صَادِقًا وَأَثْبَتَ بِالْمُعْجِزَةِ صِدْقَهُ فِي دَعْوَاهُ؛ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ صَادِقًا.

===

الإجْمَاعَ، ونُوزِعُوا فِي نَفْي النَّقِيصَةِ المُضَادَّةِ للكمال، فَأَثْبَتُوهَا بِالإِجْمَاع، والإجماع من الأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وجميع الأدِلَّةِ السَّمْعية تُبْنَى على صِدْقِ الرسول، وصدق الرَسول مَبْنِيٌّ على دَلالةِ المُعْجِزَةِ-: لزمه الدَّوْرُ بعين ما ذكر المُخَلِّصِ لَهُ أن يستدل على نَفْيِ النَّقَائِصِ بالعَقْلِ، فإن البَارِئَ وَاجِبُ الوُجُودِ، وكل ناقص جائز محتاج.

المَسْلَكُ الثَّانِي للغزالي: أن كَلَامَ الله -تعالى- قَائِمٌ بذَاتِهِ، والكلام النَّفْسِيُّ يَسْتَحِيلُ عليه الكَذِبُ فِي حَقِّ من يمتنع عليه الجَهْلُ.

واعترض عليه بِمَنْعِ المُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، فقال: لا أُسَلِّمُ أن الكَذِبَ على الكَلَامِ النَّفْسِيِّ فِي حق من يَمْتَنِعُ عليه الجَهْلُ مُحَالٌ؛ فإن ذلك ليس بَدهِيًّا.

وهذه الحُجَّةُ أَشَارَ إليها الإمَامُ، وقررها بأن الله -تعالى- عَالِمٌ بثبوت أَشيَاءَ أو نفيها، وكل عالم ففي نفسه حَدِيث مطابق لِمَعْلُومِهِ بالضَّرُورَةِ، ولا معنى للخبر الصادق إلا ذلك.

وإذا تَقَرَّرَ وُجُوبُ اتِّصَافِهِ بالعلم القديم والصدق القديم، فالإخبار بالكَذِب إنما يُتَصَوَّرُ عن جهل بحال المُخْبَرِ عنه، أو بِفَرْضِ تَقْديرِ الحال بِخِلَافِ ما هو عَلَيهِ من العلمِ، وهو أيضًا جَهْلٌ؛ لعدم مُطَابَقَتِهِ للخارج؛ ولأن التَّقريرَ فعل المَقْدُورِ، ولا يكون إلا حَادِثًا، والبَارِئُ -تعالى- لا يوصف بِحَادِثٍ وفرض قيام الجَهْلِ به مُحَالٌ لوجهين:

أحدهما: أنَّه نَقْصٌ.

والثاني: أن قِيَامَهُ به إما مع اتِّصَافِهِ بالعلم، أو مع انْتِفَائِهِ، والأَوَّلُ جمع بين الضِّدَّينِ، والثاني يستلزم عَدَمَ القَدِيمِ؛ وكلاهما مُحَال.

قوله: "وأما القَائِلُونَ بتحسين العَقْلِ وتقبيحه، فإنهم يقولون: الكَذِبُ يُقَبَّحُ لكونه كذبًا، والله -تعالى- عَالِمٌ بالقَبِيح مع كونه غَنِيًّا عنه، وكل من كان كذلك امْتَنَعَ صُدُورُ القُبْحِ منه" يعني: مع كونه حَكِيمًا.

وما قالوه بِنَاء على مَذْهَبِهِمْ أَنَّ الكَلَامَ من صفات الأَفْعَالِ، لا من صفات المعاني، وتقييده باسْتغنَائِهِ عَنْهُ احتراز من مثل كَذبَةٍ فيها نَجَاةُ نَبِيٍّ تَصْدُرُ من العَبْدِ؛ فإن أبا هَاشِم حَكَمَ بحسنها، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك من الله تعالى؛ لأنه لا يَتَعَيَّنُ طريقًا لِلنَّجَاةِ منه؛ فإنه قَادِرٌ على منعه منه، وقد أَلْزَمَهُمْ أَصْحَابُنَا على أصولهم أن الله -تعالى- إذا خَلَقَ على لسان متهم: سَرَقْتُ وَزَنَيتُ، وكان المتكلم مَن فعل الكلام، لا من قَامَ به - أن يَكُونَ الله- تعالى -هو المُتَّصِفَ بذلك، ونحن لا نَمْنَعُ أن يُطلَقَ على الله -تعالى- كونه مُتَكَلِّمًا بخلقه الكَلَامَ إذا وَرَدَ به سمع، ولكنا لا نَقُولُ: إنه يَعُودُ إليه من أفعاله صِفَات تَقُومُ به، وإنما تنسب إليه بالخلق، والاختراع، وإلا لزام أن يَكُونَ بِخَلْقِهِ الصَّوْتَ مصوتًا، وبخلقه الحركة مُتَحَرِّكًا؛ فالصدق إذن، فِي كلام الله -تعالى- النَّفْسِيِّ ثَابِتٌ؛ لمطابقته المَعْلُومَ على ما هو به، وفي الأَقوَالِ المَنْسُوبَةِ إليه الدَّلالةُ على كلامه النفسي؛ لمطابقتها الكَلَام المطابق للعلم.

قوله: "الثَّاني: خَبَرُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك أنَّه ادَّعَى كَوْنَهُ صَادِقًا، وأثبتت المعجزة صِدْقهُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015