بِنَفْسِ الْخَبَرِ؛ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ. وَأَيضًا: الصِّدْقُ خَبَرٌ مُطَابِقٌ، وَالْكَذِبُ خَبَرٌ مُخَالِفٌ؛ فَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ لَا يُمْكِنُ تَعْرِيفُهُمَا إِلَّا بِالْخَبَرِ؛ فَلَوْ عَرَّفْنَا الْخَبَرَ بِهِمَا، لَزِمَ الدَّوْرُ.

وَقَال الْمَنْطِقِيُّونَ: إِنَّهُ الْقَوْلُ الَّذِي يُوجِبُ شَيئًا لِشَيءِ، وَيَسْلُبُ شَيئًا عَنْ شَيء.

وَهذَا أَيضا ضَعِيفٌ؛ لأَنَّ السَّلْبَ وَالإِيجَابَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ، وَالنَّوْعُ لَا يُمْكِنُ تَعْرِيفُهُ إِلَّا بِالْجِنْسِ، فَلَوْ عَرَّفْنَا الْجِنْسَ بِالنَّوْعِ، لَزِمَ الدَّوْرُ.

وَأَيضًا: إِسْنَادُ أَمْرٍ إِلَى أَمْرٍ قَدْ يَكْونُ عَلَى سَبِيلِ الإِخْبَارِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْوَصْفِ، فَلَمَّا ذَكَرَهُ فِي حَدِّ الْخَبَرِ وَجَبَ دُخُولُ الْوَصْفِ فِيهِ.

===

إلى الصِّدْقِ ولا يمتنع نِسْبَتُهُ إلى الصدق، وإن كان كاذبًا، ومعنى التَّكْذِيبِ: نِسْبَتُهُ إلى الكَذِبِ، ولا يمتنع نِسْبَتُهُ إليه، وإن كان صَادِقًا.

قوله: "وهذا عِنْدِي بَاطِلٌ؛ لأن التَّصْدِيقِ والتكذيب هو الإِخْبَارُ عن كونه كَذِبًا أو صِدْقًا، فقد اقتضى تَعْرِيفَ الخَبَرِ بنفس الخَبَرِ، وأنه باطل، وأيضًا الصدق خَبَرٌ مُطَابِقٌ، والكذب خَبَرٌ مُخَالِفٌ، فالصدق والكذب لا يمكن تعريفهما [إلا] بالخَبَرِ، فلو عرفنا الخَبَرَ بهما، لَزِمَ الدَّوْرُ":

ويرد عليه: أنا لا نُسَلِّمُ أن الصِّدْقَ هو الخبر المطابق بل مُطْلَقُ المطابقة؛ ولذلك يُوصَفُ به العَقْدُ والظن، فيقال: هذا عَقْدٌ صِدْقٌ، وهذا ظَنٌّ صِدْقٌ، وكذلك الكَذِبُ، وإذا لم يتوقف فهمهما على فَهمِ الخبر، فيصح أن يميزهما عن سَائِرِ أَقْسَامِ الكلام من الأَمْرِ، والنهي، والاستفهام، والتنبيه وغير ذلك.

قوله: "وقال المَنْطِقِيُّونَ: هو القَوْلُ الذي يُوجِبُ شيئًا لشيء، أو يسلب شَيئًا عن شَيء".

وقد زاد أبو الحُسَينِ فيه قَيدًا، فقال: الخَبَرُ كَلامٌ يفيد بِنَفْسِهِ إضافة أَمْرٍ إلى أَمْرٍ بنفي، أو إثبات، وإنما قَيَّدَهُ بنفسه؛ لأن الكلمة عنده كَلامٌ، فلو اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ: إِنه كلامٌ يفيد إِضَافَةً على الوجه المذكور، للزمه أن يكون مثل: "قَائِم" خبرًا؛ لأنه كلام عنده، وقد أفاد نسبة القيام، إلا أنه لم يُوضَعْ لِلدَّلالةِ على النِّسْبَةِ، لكن لِذِي النِّسْبَةِ؛ فإشعاره بها بالتضمن لا بنفس الوَضْعِ.

قوله: "وهذا أَيضًا ضَعِيفٌ؛ لأن السَّلْبَ والإيجَابَ نَوْعَانِ للخبر، والنوع لا يمكن تَعْرِيفُهُ إلا بِالجِنْسِ، فلو عرفنا الجِنْسَ بالنَّوْعِ، للزم الدَّوْرُ":

ويقال له: لا نُسَلِّمُ أن السَّلْبَ والإِيجَابَ نَوْعَانِ للخبر، بل بهما يَتَنَوَّعُ الخَبَرُ، ومفهوم السَّلْبِ والإيجاب بَدهِيٌّ لا يَتَوَقَّفُ على فَهمِ الخَبَرِ؛ فصح أخذهما في تَعْرِيفِه.

وَقَوْلُهُ: "وأيضًا إسناد أَمْرٍ إلى أَمْرٍ قد يَكُونُ على سَبِيلِ الإخبار، وقد يكون على سبيل الوَصْفِ" يعني: كقولك في حَدِ الإِنْسَانِ: حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، تال: فما ذكره في حَدِّ الخَبَرِ يُوجِبُ دخُولَ الوَصْفِ فيه.

وإذا قيل: الخَبَرُ كَلامٌ وُضِعَ لإِفَادَةِ نسبة أَمْرٍ إلى أَمْرٍ بنفي أو إثبات، وفسر الكلام بالجُمْلَةِ المُفِيدَةِ، فلا يَرِدُ عليه الوَصْفُ؛ فإن الصِّفَةَ والمَوْصُوفَ في تقدير المفرد، وإنما ورد ما ذَكَرَهُ؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015