لأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ هُوَ الإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهِ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا؛ فَهذَا يَقْتَضِي تَعْرِيفَ الْخَبَرِ
===
قال القاضي، والمعتزلة، وجماعة: الخَبَرُ هو الكَلامُ الذي يَدْخُلُهُ الصَّدْقُ والكذب.
ورُدَّ بأن خَبَرَ الله -تعالى- ورسله لا يَدْخُلُهُ الكَذِبُ، وبأن خبر من أخبر عن وُقُوعِ المُسْتَحِيلاتِ لا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ، وبأنه يستحيل اجتماعهما في خَبَرٍ وَاحِدٍ.
وَأُجِيبَ عن الأَوَّلِ بأن المَحْدُودَ مُطْلَقُ الخَبَرِ، وامتناع الكَذِبِ في خَبَرِ الله -تعالى- وَرُسُلِهِ باعتبار أنه خَبَرٌ خَاصٌّ، وكذا امْتِنَاعُ الصِّدُقِ في خَبَرِ من أَخْبَرَ عن وُقُوعِ المُسْتَحِيلاتِ، وهذا حق.
وأُجِيبَ عن الثَّانِي بأن بَعْضَ الخَبَرِ؛ يَدْخُلُهُ الصَّدْقُ، وبعضه يدخله الكَذِبُ، فعمَّ، وزَعَمُوا أنه جَوَابٌ عن الأول أيضًا، ولا يَصِحَّ بِوَجْهٍ؛ فإن شرط المميز أن يُوجَدَ في جَميع أَفْرَادِ المحدود فَصْلًا كان أو خَاصَّة، وقد جعل هذا الحَادُّ المميز دُخُولَ الصِّدْقِ وَالكَذِب، ولا يَجْتَمِعانِ في خَبَرٍ مَا.
وأورد عليه أيضًا: أن قَوْلَ القَائِل: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ومَسَيلَمَةُ صَادِقَانِ، وقول من لم يَصْدُقْ قط: خَبَرِي كله كَذِبٌ- لا يدخلها صِدْقٌ ولا كذب.
وأُجِيبَ عن الأَوَّلِ بأنه في تَقْدِيرِ خَبَرَينِ: أحدهما صدق، والآخر كذب، أو بأن الخَبَرَ عن المَجْمُوعِ بالصِّدْقِ كذب، وعن الثاني أنهما يَدْخُلانِهِ باعتبارين، والحق: أنه كَاذِبٌ.
فعدل بعضهم من أجل هذه الأسئلة عن هذا الحد وقال: هو الكلام الذي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ أو الكذب، فخرج عن هذين السؤالين الأولين، ويجيب عن الثَّانِي بما ذكر.
ونوقش في استعماله لكلمة "أوْ" فإنَّها مُمْتَنِعَةُ الاسْتِعْمَالِ في الحُدُودِ الحقيقية، فإن الشَّيءَ
الواحد لا يَقُومُ بمختلفين على البَدَلِ، مُسْتَقْبحَة في الرسمية؛ لظهورها في التَّرَدْدِ المُنَافِي لِمَقْصُودِ الحَدِّ من البَيَانِ، فعدل الأَكْثَرُونَ لأَجْلِ هذا عن هذا الحَدِّ أيضًا.
وقالوا: الخَبَرُ ما يحتمل التَّصْدِيقَ والتكذيب، ويعم، فإن مَعْنَى التَّصْدِيقِ: نِسْبَةُ المتكلم