الْحُجةُ الرابِعَةُ: قَوْلُهُ -عَلَيهِ السَّلام-: "لا تَجْتَمِعُ أُمتِي عَلَى الضَّلالةِ".
وَلِقائِلِ أَنْ يَقُولَ: هذا خَبَرُ واحد؛ فَلا يُفِيدُ الْعِلْمَ؛ والْمَسْألةُ مَسْأَلَة عِلمِية. فَإنْ قالُوا: الأخبارُ الْكَثِيرَةُ وَرَدَتْ في هذا الْبابِ، وَهِيَ بِأَسْرِها دالَّةٌ عَلَى أن الإِجْماعَ حُجة؛ فَصارَتْ هذِهِ الأَخْبارُ الْكَثِيرَةُ جارِيَةً مَجْرَى الأَخْبارِ الْكَثِيرَةِ الْوارِدَةِ في شَجاعَةِ عَلِيّ -
===
تلك الصِّفَةِ- فلم قلتم: إن من جاءَ بَعْدَهُم كانوا مَوصُوفِينَ بتلك الصفة؟ ولم قلتم: إنهم يبقون بعد ذلك الوقت على تلك الصفة؟ ولم يجب عن هذه الأسئلة، والجَوابُ عنها واضح:
أما قوله: "إن هذا الاستدلال إنما يَتِمُّ إذا قُلنا: إن المفرد المعرف بالأَلِفِ واللام يُفِيدُ العُمُومَ" فالجواب عنه ما ذكرنا أن الآية سيقت للمدح، ولا يتحقق المدح والتفضيل، إلا إذا كانت تلك سَجِيتهُمْ وعادتهم؛ كما لا يحسن أن يقال: "بنو فلان يقرون الضيف" إلا إذا كانت تلك سجيتهم وهذه قرينة معينة للعموم.
قوله: "إنه خِطابُ مُشافَهَةٍ" قد تَقَدمَ الجَوابُ عنه.
قوله: "هَبْ أن أُولئك الأَقْوامَ كانُوا في ذلك الوَقْتِ كذلك -فلم قلتم: إن من جاءَ بَعدَهُم كذلك؟ ":
قلنا: قال عُلَماءُ التفسِيرِ: معنى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] أي: في اللوحِ المَحفُوظِ، وهذا مَدحٌ لجميع أمَّةِ مُحَمد - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا كان هذا وَصفَهُم في اللوحِ المحفوظ في عِلْمِ الله -تعالى- أو في الكُتُبِ السابِقَةِ؛ فمجموع هذه الأُمةِ مَوصُوفٌ بذلك في كُل وَقْتٍ، وفي كل عَصر، وإلا لم يَكُن لهم مَزِية.
وقال الفَرَّاءُ في كتاب "مَعانِي القُرآنِ": {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] أي: أنتم خَيرُ أمّةٍ، ودخول "كان" هَهُنا وَخُرُوجُها سواء.
قوله: "والحُجةُ الرابِعَةُ: قوله -عليه السَّلامُ-: "لا تَجْتَمِعُ أمَّتِي على الضلالة".
هذه الحجة اختارَها الغزالي، وادَّعَى تَقرِيرَها بالضَّرُورَةِ تارة، وبالنظَرِ أُخرَى: أما طَرِيقُ الضرورَةِ فقال هو وغيره: تواتر معنى هذا الحديث بِأَلفاظٍ كَثِيرَة مختلفة مُتَضافِرَةٍ على عِصْمَةِ هذه الأُمَّةِ عن الزلَلِ والخَطأ إلى حَد العلم الضرُورِيّ بذلك؛ كالأخبارِ المَنقُولَةِ في شَجاعَةِ عليٍّ وسخاء