حينئذٍ قُسِم الكتاب قسمين، هو في أصله على قسمين، قُسِم قسمين، ففُصِل المنْطِق عن الفلسفة وشُرح وحُشِّي عليه، وبقي الأصل وكذلك خُدم ذاك الكتاب لكن ليس لنا فيه حاجة، وإنما المراد هنا فيما يتعلق بالمنطق.
ولذلك قال العطَّار: المصنّف ألَّف كتابه هذا وجعله على قسمين: الأول في فن المنْطِق، والثاني في الطبيعي والإلهي؛ جرياً على طريقة الحكماء بناءً على أن المنْطِق مقدمةٌ لعلم الحكمة أو جزءٌ منها على اختلاف البراهين، وشرَح كل قسمٍ من الكتاب كثير.
قال هنا: (في علم المنْطِق) أي: المهم منه، ليس في كل المسائل لأنه مختصر.
قال: (يحُل ألفاظه ويبيّن مراده، ويفتح مغلقَه، ويقيِّد مطلقَه على وجهٍ لطيف) هذه أربع صفات، وهي من وظيفة الشارح.
(يحُل) بضم الحاء يعني: يفُك.
(ألفاظه) يعني: ألفاظ الكتاب .. المتن نفسه، والذي يُحل ماذا؟ الضمير هنا يعود إلى الشرح وليس الشارح، قال: (فهذا شرحٌ لطيف يحُل) أي: هذا الشرح.
يحل ماذا؟ (ألفاظَه) يعني: ألفاظ الكتاب؛ لأن بعض الألفاظ تحتاج إلى فكٍ، وهذا الأصل فيه.
(يحُل ألفاظه) بمعنى يفك ألفاظه.
(ويبيِّن مرادَه) يبيِّن الشرح مرادَ من؟
الإرادة من صفات المخلوقِين على الأصل الشائع ((جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ)) [الكهف:77] هذا نستثنيه نقول: هذا جاء به النص. يعني: لا نَنفي الإرادة عن الجمادات. قال الكثير بأن ((جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ)) [الكهف:77] هذا مجاز وتشبيه واستعارة .. إلى آخر ما يقال.
والصواب: لا. ما الداعي إلى القول بأن هذا مجاز؟ هل العقل يمنع أن يريد الجدار؟ لا يمنع العقل، واختصاص أن الإنسان أو المخلوق هو الذي يريد نقول: هذا من جهة العقل "عقلِك أنت" لكن أخبرك الباري جل وعلا أن الجدار يريد كما قال: ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)) [الإسراء:44] ((مِنْ شَيْءٍ)) هذا أعلى درجة العموم، وشيء هذا يصدُق على الحي وعلى غير الحي.
فدخل فيه الجمادات والسماوات والأرض .. إلى آخره.
((قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) [فصلت:11] ((قَالَتَا)) القول هو اللفظ الدال على معنى "على بابِه" لا نؤول، لا نقول: هذا مجاز، وإنما نقول: ما جاء النص في إثباته للجمادات يبقى على ظاهره وهو الحقيقة.
هنا قال: (يبيِّن مراده) يعني: مراد مؤلفه.
(يبيِّن) أي: هذا الشرح مراد مؤلفه؛ لأن المراد قد لا يظهر، قد تلتبس العبارة .. تتداخل حينئذٍ نحتاج إلى فَصلٍ.
(ويفتح مغلقَه) أي: يوضح غامضه هذا الأصل.
(ويقيِّد) هذا مقابل للإطلاق، يقيِّد ماذا؟ يقيّد الشرح (مطلقه) يعني: ما أطلقه المصنف.
(على وجهٍ لطيف) أي: طريقٍ وهو ظرفٌ تعلَّق به الأفعال الأربعة:
يحُلُّ ألفاظه على وجهٍ لطيف، يبيِّن مراده على وجهٍ لطيف، يفتح مغلقَه على وجهٍ لطيف، يقيِّد مطلقه على وجه لطيف.
فتعلَّق بالأخير يعني: من باب التنازع، وحُذف من الأول والثاني والثالث.
إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ ... .....................................
عاملان فأكثر
إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ
وَالْثَّانِ أَوْلَى .............. ... قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ
...........................