حينئذٍ كل تصديقٍ يتضمن ثلاثةَ تصورات: تصور الموضوع وحده، وتصور المحمول وحده، وتصور النسبة. ثم إن كانت هذه النسبة التي هي النسبة الخارجية التي هي مورِد الإيجاب والسلب، إن حُكم عليها أو أدرك العقل وقوعها بالفعل في الخارج، أو عدمَ وقوعها بالفعل في الخارج يسمى تصديقاً.

فكل تصديقٍ لا بد أن يتقدمه ثلاثة تصورات، ومن هنا اختلفوا هل التصديق بسيط أو مُركَّب؟

الحكماء المناطقة الفلاسفة على أنه بسيط، بمعنى أن الإدراك الرابع الذي هو الوقوع واللاوقوع، أو الذي يُعبَّر عنه بالانتزاع والإيقاع يسمى تصديقاً، وما قبله شروطٌ، وخالف الرازي في ذلك فقال: بل التصديق مركَّب من أربعة أركان.

فتصور الموضوع ركنٌ وجزءٌ في التصديق لا ينفك عنه، وكذلك تصور المحمول ركنٌ وجزءٌ من التصديق لا ينفك عنه.

وكذلك تصور النسبة الكلامية التي هي ارتباط بين الاثنين .. الجزأين، كذلك ركنٌ وجزء، والإدراك الرابع كذلك ركنٌ وجزء.

حينئذٍ اتفقا واختلفا -يعني: طائفتان- اتفقوا على أن التصور الرابع لا يمكن أن يوجد إلا بثلاث تصورات، هذا متفق عليه.

لكن الخلاف: هل توقف ماهيّة التصور الرابع -يعني: وجودها حقيقتُها- هل هو من توقف الماهيَّة على شرطها أو على ركنها؟ هذا محل النزاع.

[وَالرُّكْنُ جُزْءُ الذَّاتِ وَالشَّرْطُ خَرَجْ] يعني: الركن ما كان داخلاً في الماهيّة كقراءة الفاتحة في الصلاة، وكذلك الركوع والسجود .. هذه داخلة في الماهيَّة.

إذاً: لا تنفك الصلاة عن ركنها، وأما الطهارة بالنسبة للصلاة فهي خارجة عنها، لكنها متوقفةٌ عليها، كذلك التصور الرابع هنا منفكٌ عند الجمهور لكن الماهيّة لا توجد إلا بوجود هذه الشروط الثلاثة.

إذاً يرِد السؤال هنا: هل التصديق بسيط أو مركب؟

نقول: فيه مذهبان:

جمهور الحكماء على أنه بسيط، بمعنى أن الإدراك الرابع الوقوع واللاوقوع هو المسمى بالتصديق، وما قبله شروطٌ له على الصحيح.

وأما على مذهب الرازي فهي أربعة، بمعنى أن توقُّف الماهيّة على أركانها .. على أجزائها. حينئذٍ كل واحدٍ من هذه الأربعة يُعتبر ركناً وجزءً في التصديق، يعني: لا يحصل بدونه.

وَالرُّكْنُ جُزْءُ الذَّاتِ وَالشَّرْطُ خَرَجْ ... وَصِيْغَةٌ دَلِيْلُهَا فِي المُنْتَهَجْ

النسبة تسمى بالمفهوم وبالمدلول وبالمعنى، النسبة الكلامية الحُكمية: هي ثبوت المحمول للموضوع على وجه الإثبات أو على وجه النفي، هذا على ما ذكرناه سابقاً.

النسبة الخارجية: وقوع ذلك الثبوت أو عدم وقوعه.

يعني: النسبة نسبتان، ولذلك قد يمر معكم قول صاحب السلَّم:

.............................. ... وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْديقٍ وُسِمْ

حينئذٍ يرد السؤال (دَرْكُ نِسْبَةٍ) يعني: إدراك النسبة، سمَّاه تصديقاً.

ما المراد بالنسبة؟

إن قلنا المراد به النسبة الخارجية، فحينئذٍ (دَرْكُ نِسْبَةٍ) أي: إدراك النسبة الخارجية التي هي الوقوع أو اللاوقوع هي التصديق.

وإن فُسِّرت النسبة هنا بالنسبة الكلامية ارتباط بين الجزأين التي هي التصور الثالث، إن فُسِّرت النسبة فحينئذٍ لا بد من مضاف، وهو: ودركُ وقوعِ نسبةٍ. أكثر الشُرَّاح هكذا في السلَّم هناك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015