قولك: قيام زيد، أسديّةُ زيد، كون زيدٍ أسداً .. هذا ليس فيه إثبات ولا نفي، الحكم هو إيجابٌ أو سلْبٌ إما إثبات وإما نفي "هذا هو الحكم"، حرام ليس بحرام، حرام إثبات واجب إثبات، لا يجب لا يحرُم هذا نفي، تارة يكون بالإثبات وتارة يكون بالنفي.

إذا قلت: قيامُ زيد هذا مضمون الجملة ليس فيه إثبات ولا نفي، إذاً ما هو حكم الجملة؟

حكم الجملة هو الثبوت المضاف لمضمون الجملة، أو السلبُ المضاف إلى مضمون الجملة، فحينئذٍ عندنا أمران متغايران كما بين السماء والأرض الذي هو المضمون "مضمون الجملة" لأنه يشتبه على الطلاب هذا، يظنها مسألة واحدة لا.

مضمون الجملة يعني: ما دلت عليه الجملة، ولكن الثبوت والنفي هذا شيءٌ زائدٌ عليها.

ولذلك الأصل في الجُمَل الإيجاب، والنفي هذا فرعٌ؛ لأنه يحتاج إلى قرينة، إذا قلتَ: ما قام زيدٌ، قام زيدٌ إيجاب .. ثبوت، قام زيدٌ فيه ثبوت. ما الدليل؟

الأصل في الجمَل الإثبات، بدليل أنه لو أُريد النفي لسُلِّط عليه إما حرفٌ أو فعلٌ، ليس زيدٌ قائماً فعلٌ، ما قام زيد هذا حرفٌ، لن يقوم زيد هذا حرف.

فإذا سُلِّط عليه، فما احتاج إلى قرينة فرعٌ عما لا يحتاج، كما نقول في المجاز والحقيقة، لا نقول هذا مجاز إلا إذا دلَّت القرينة، إذا لم توجد قرينة رجعنا إلى الأصل، ما هو الأصل؟ الحقيقة، متى نقول مجاز؟ إذا استُعمل اللفظ في غير موضعه لقرينة، إذا وُجدت قرينة حينئذٍ حُمل عليه.

وَحَيْثُمَا اسْتَحَالَ الاَصْلُ يُنْتَقَلْ ... إِلَى المَجَازِ أَوْ لأَقْرَبٍ حَصَلْ

إن لم يكن رجعنا إلى الأصل، فإذا اختُلف في اللفظ هل هو حقيقة أو مجاز رجعنا إلى الأصل وهو أنه حقيقة؛ لأنه لو كان مجازاً لأثبت أو أقام عليه قرينة تدل على أن اللفظ استُعمل في غير ما وضع له ابتداءً.

كذلك هنا لو أراد النفي لقدَّم على الجملة إما حرف يدل على السلب أو فعلاً يدل على السلب يعني: أداة السلبي، فلما انتفت رجعنا إلى الأصل وهو أنها موجَبة يعني: مثبَتة.

حينئذٍ ما هو حكم الجملة، كيف نصيغه؟

نقول: نأتي بالثبوت أو النفي مضافاً إلى مضمون الجملة، "قيام زيد" ثبوت قيام زيد، ما زيدٌ قائمٌ نقول: نفيُ أو عدم قيام زيد. إذاً: فرقٌ بين النوعين.

التصور والتصديق عرفنا أن التصور إدراك المفرد، والتصديق إدراك المركَّب، والمراد بالمركَّب -هكذا لأن المركب هذا مجمل- المراد بالمركب هنا المركب الإسنادي التام الذي ينقسم إلى الجملة الاسمية والجملة الفعلية.

ما المراد بالإدراك المتعلِّق بالجملة الاسمية؟

نقول: المراد هنا إدراك النسبة الخارجية التي هي يعبِّر عنها المناطقة بالوقوع واللاوقوع، كون الشيء واقعاً بالفعل في الخارج.

الآن المضمون وحكم الجملة كلها في الذهن، إذا قلت: مضمون الجملة. هذا أمرٌ ذهني، حكم الجملة أمر ذهني، ثبوت قيام زيد .. أنت تدَّعي ثبوت قيام زيد لكن في الخارج هل بالفعل زيدٌ قائم؟

إن كان بالفعل زيدٌ قائم فحينئذٍ إدراكُك لوقوع ثبوت قيام زيد هذا يسمى تصديقاً، وما قبل ذلك يسمى تصوراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015