فزيدٌ قائمٌ هذه جملة اسمية، كل تصديق يستلزم التصور ولا عكس .. كل تصديقٍ تصورٌ ولا عكس؛ لأن كل تصديقٍ يتضمن ثلاثة تصورات سابقة، فإذا قلت: زيدٌ قائمٌ لا يمكن أن تحكُم بإيقاع ثبوتِ قيام زيد أو عدمِه إلا بعد أمورٍ ثلاثة:
أولاً: تَعرِف معنى زيد. يعني: إدراك الموضوع، ما المراد بزيد؟
يعني: زيد فقط، يسمى الموضوع فقط، يسمى تصوراً هذا.
الثاني: إدراك قائم فقط معناه ما المراد به، يسمى تصوراً فقط.
إذاً: عندنا تصوران:
أولاً: تصور الموضوع .. إدراك المفرد زيد.
ثانياً: تصور المحمول وهو قائم هنا.
الثالث: ما يسمى بتصور النسبة، والمراد بالنسبة هنا عند المناطقة: العَلاقة والارتباط والتعلُّق بين الموضوع والمحمول.
يعني: كون الموضوع متصفاً في المعنى بالمحمول، ولذلك اشترط بعض النحاة "الكلام في الإسناد هنا" اشترط أن يكون ثَم أُلفة، ولذلك ابن مالك قال: باب الكلام وما يتألف منه، لم يقل: وما يتركب منه؛ احترازاً عن تركيبٍ لا أُلفة بينهما، فلا يسمى كلاماً على شرطه يعني: لو قال قائل: الجدار طار، لو قال: مشى الجدار أو صام أو صلى الجدار.
لو جئنا على ظاهرية النحاة نقول: صلى الجدار، صلى فعلٌ ماضي والجدارُ فاعل. إذا جئنا وطبقنا القواعد هكذا: صلى فعلٌ ماضي والجدار فاعل، لكن هل بينهما أُلفة؟ هل يُتصور في العقل أن الجدار يتصف بهذا الوصف وهو الصلاة؟ الجواب: لا.
إذاً: ما الذي انتفى؟ هل يسمى كلاماً؟
إذا اشترطنا الأُلفة بين المسند والمسند إليه، بين المبتدأ والخبر قلنا: لا يسمى كلاماً لاِنتفاء الشرط، وإذا لم نشترط سميناه كلاماً.
حينئذٍ النسبة بين الموضوع والمحمول هو أن يُجيز العقل، أن يَتصور العقل إمكان اتصاف الموضوع بالمحمول.
هذه عند المناطقة يمكن إدراكهُا دون الموضوع والمحمول، وهذا فيه شيءٌ من التكلُّف، لكن نسميه نحن بأنه إدراكٌ اعتباري.
يعني: هل يمكن أن يَتصور العقل نسبة بين زيد وقائم دون أن يَتصور زيد ولا قائم؟ لا يمكن، هذا إذا قلنا بأنه ينفك انفكاكاً كلياً عن الموضوع والمحمول، أما مع الملاحظة فيمكن.
فيَتصور نسبةَ القيام إلى زيد دون أن ينصبَّ التفكير على زيدٍ وحده أو على قائم وحده، كما تنظر إليَّ أنت الآن وأنت تلحظ ما ورائي، أنت لحظته لكنك لم تصب نظرك عليه، حينئذٍ نقول: هذا ملحوظ.
كذلك هنا الذي معنا نقول: يمكن أن تُلحَظ النسبة وينصب عليها الذهن من حيث إدراك المعنى، دون أن يكون الانصباب على الموضوع أو على المحمول. وهذا ممكن، لكن يسمى إدراكاً اعتبارياً.
وعليه يمكن أن يقال بأنه يدرَك الموضوع مع النسبة دون المحمول، أو النسبة مع المحمول دون الموضوع؛ لأن الاحتمالات ثلاث هنا.
أولاً: الموضوع مع النسبة، باعتبار الكلام على النسبة ليس ما سبق.
النسبة مع المحمول.
إدراك النسبة فقط دون الموضوع والمحمول. ثلاثة إدراكات وكلها اعتبارية، لأنه لا يمكن أن ينفك المحمول عن الموضوع، ولا يمكن أن ينفك الموضوع عن المحمول وإنما هو تجويز عقليٌ فحسب.
إذاً: إذا قيل: زيدٌ قائمٌ حينئذٍ يَتصور أولاً العقل معنى زيد، ثم بعد ذلك يتصور العقل -يعني: يُدرِك- معنى قائم، ثم العلاقة بينهما وهو إمكان اتصاف زيدٍ بالقيام.