نقول: لا، ليست هذه العِلَّة، نعم قد يكون في بعضها أنها موهِمة النقص، وحينئذٍ تنفى، ولكن الأصل العظيم المطرد هنا هو عدم الورود، فحينئذٍ لا نصف الله تعالى بهذه الأوصاف أو واحدٍ منها لأنه لم يرِد لا في الكتاب ولا في السنة.
إذاً: قوله: (سبيلَ التصور والتصديق) أشار به إلى هذا الباب.
قلنا: العلم اختُلِف فيه هل يُحد أو لا يُحد، والصحيح أنه يُحد يعني: يُعرَّف؛ لأنه حقيقةٌ من الحقائق كغيرها، كما يُعرَّف العام ويعرّف الخاص، ويعرَّف التصور والتصديق، كذلك يعرَّف العلم الذي هو أصلٌ وجنسٌ لهما.
المناطقة لهم حدٌ خاصٌ في العلم لا يَختلط معك بالحدود التي يذكرها الأصوليون أو يذكرها غيرهم من أهل اللغة.
فحينئذٍ ما المراد بالعلم عند المناطقة؟
يطلَق العلم ويراد به مطلق الإدراك، أو إن شئت قلت: الإدراك مطلقاً [العِلْمُ إِدْرَاكُ المَعَانِي مُطْلَقَاً] أو إن شئت عبِّر بقولك: مطلق الإدراك.
عندنا كلمتان: مُطلق الإدراك. ما هو الإدراك؟
الإدراك هذا مصدر من باب الإفعال، أَدرك يُدرك إدراكاً.
معناه في الاصطلاح: وصول النفس إلى المعنى بتمامه، يزيد بعضهم: من نسبةٍ أو غيرها.
وصول النفس، عبَّر بالوصول لأنه هو المعنى اللغوي، ما العلاقة بين المعاني الاصطلاحية والمعاني اللغوية، والمعاني اللغوية لا بد أن تؤخذ جنساً في المعاني الاصطلاحية.
قوله: وصول النفس؛ لأن الإدراك هو وصول .. الإدراك في اللغة هو: بلوغ الشيء غايتَه ومنتهاه.
ولذلك يقال: أدركت الثمرة إذا نضجت، كمُلت .. إلى آخره.
وأدرك الصبيُ إذا بلغ يعني: وصل الحدَّ الذي يُكلَّف به شرعاً.
فحينئذٍ المعنى هذا لا بد أن يؤخذ جنساً في حد الإدراك في الاصطلاح، فقالوا: وصول النفس. ما المراد بالنفس؟
هذه عبارة مختصَّة يعني: اصطلاحٌ خاصٌ عند المناطقة.
يُطلق لفظ النفس ويراد به القوَّة العاقلة التي هي محل الإدراك؛ لأن الإنسان يُدرِك بمعنى أنه تستقر عنده المعاني، أين تستقر؟
عبَّر المناطقة عن محل الإدراك ومحل استقرار المعاني، ومحل نشوء المعاني بالنفْس، وهل هي العقل أو غيره؟
هذا محل خلافٍ عندهم، لكنهم يُعبّرون على المشهور عندهم بأن النفس هي القوة العاقلة التي هل محل الإدراك، وآلتُها العقل. فالعقل وسيلة وآلة وليس هو محلاً للإدراك، ففرْقٌ بين النفس والعقل.
"وصول النفس إلى المعنى بتمامه" المعنى كما هو معروفٌ عند أهل اللغة: ما يُقصد من اللفظ، فكل ما يُقصد من اللفظ يسمى معنى سواء كان هذا المعنى مفرداً أو كان هذا المعنى مركباً، متقابلان .. إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مركباً.
فالذي يُفهَم ويُدرَك من لفظ زيد نقول: هذا مفرد. وصول النفس إلى المعنى.
معنى زيد، ماذا يراد بلفظ زيد؟ ما الذي تفهمه من لفظ زيد؟ ما مدلول لفظ زيد؟
نقول: هذا يسمى معنى، فالمدلول والمعنى والمفهوم والمسمى بمعنى واحد، فزيدٌ المراد به الذات المشخَّصة، كذلك لفظ سماء، لفظ أرض له مدلولٌ .. له معنى .. له مفهوم.
إدراكُك بمعنى فهمِك، لمعنى هذا اللفظ يسمى إدراكاً.
النوع الثاني من المعاني: المعاني المركبة، وهذا المركب على نوعين: إما مركب مرادف لمعنى الكلام عند النحاة، أو لا يكون مرادفاً. من أجل التعميم.