لكن يبقى النظر فيما يُطلق عليه أنه شيخ الإسلام، شيخ الإسلام والمسلمين هذا وصفٌ عام، بمعنى أنه يُطلق على من جمع بين علمي المنقول والمعقول، لكن يُشترط فيه أن يكون صحيح العقيدة، كما يقال: إمام. هذه يُشترط فيها أن يكون صحيح العقيدة بمعنى أن تكون عقيدته سلفية في باب الأسماء والصفات، في باب الألوهية وفي باب الربوبية؛ لأن هذا الوصف على إطلاق.

بمعنى أنه لا يشاركه فيه غيره، وبمعنى أنه يكون قدوةً للمسلمين، فإذا كان كذلك فلا بد أن يكون صحيح المعتقد وصحيح العمل، جمَع بين الأمرين.

وأما من كان متلبساً بعقيدة منحرفة فالأصح أنه لا يقال بأنه شيخ الإسلام ولا يقال فيه أنه إمام، إمام يعني: مؤتمٌ به يعني: يُقتدى به، وهذا إذا كان كذلك فلا بد أن يُقيَّد بأنه لا يُطلق هذا الوصف ولا يُتوسَّع فيه بأن يقال إمام إلا إذا كان صحيح المعتقد، وإن لم يكن كذلك فحينئذٍ لا يُطلق عليه.

قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ).

هذا الكلام من أبي يحيى زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى، وبدأ بالبسملة والحمدلة، والصلاة والسلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم يسيرون على أدبٍ معلوم في باب التصانيف، ولا بد أن يجمع بين أمورٍ ثمان: أربعة واجبة وأربعة مستحبة.

الواجبة: البسملة، والحمدلة، والشهادتان، والصلاة والسلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذه أربعة عندهم واجبة.

والمراد بالإيجاب هنا أو الوجوب الاصطناعي يعني: يُعاتَب أنه لم يذكر واحداً من هذه الأربعة.

الأربعة الأخرى مستحبة، كذلك استحباب اصطناعي بمعنى أنه على جهة الأولوية أن يأتي بها وهي: أما بعد. وهي سنة ثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وبراعة الاستهلال، وبراعة الاستهلال أن يذكُر شيئاً في المقدمة تُشعر بالمقصود كما سيأتي في قوله: سبيل التصور والتصديق.

والثالث: تسمية نفسه.

والرابع: تسمية كتابه.

هذه ثمانية أمور ينبغي العناية بها في التصانيف، أربعةٌ على جهة الإيجاب وأربعة على جهة الاستحباب:

البسملة، والحمدلة، والشهادتان، والصلاة والسلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذه أربعةٌ واجبة اصطناعياً.

وأما بعد، وتسمية نفسه، وكتابه، وبراعة الاستهلال. هذه أربعةٌ على جهة الاستحباب.

و (بسم الله الرحمن الرحيم) تكلم كما ترون المحشِّي هنا كغيره ممن صنّف في علم المنْطِق، يتكلمون عليها من جهة ما يتعلق بها من قواعد منطقية؛ لأن القاعدة عندهم: أنه ينبغي لكل متكلمٍ في فنٍ من الفنون أن يتبرَّك بذكر طرفٍ مما يتعلق بالبسملة في ذلك الفن، وتركُ ذلك يُعتبر قصوراً أو تقصيراً .. قصوراً في العلم أو تقصيراً في العمل بالعلم، ولا بد أن يذكر شيئاً مما يتعلق بالقواعد المنطقية.

ذكرُ شيءٍ يتعلق بالبسملة من علم النحو، ومن علم الصرف، ومن علم البيان لا شك فيه أنه ظاهر وهو واضحٌ بيِّن.

وأما من جهة علم المنْطِق فليس فيه أدنى مناسبة، فحينئذٍ الخوض في هذه المسألة على جهة ما قرره المحشّي هنا خوضٌ ليس فيه إلا التكلُّف والتعسُّف.

ولذلك قال العطَّار: التكلُّم عن البسملة من فن المنْطِق غير ظاهر المناسبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015