قال: (فخرج عن أن يكون قياساً القولُ الواحد. وإن لزم عنه لذاته قولٌ آخر كعكسه المستوي) كما ذكرتُ سابقاً: أنه ليس كلما لزم عن المقدمة أو الجملة أو القضية قولٌ آخر صار قياساً لا، ولذلك القول الواحد قد يستلزم عكسَه المستوي، لكن لا يكون قياساً.

قال: (وإن لزم عنه لذاته قولٌ آخر نحو: كل إنسانٍ حيوان. فإنه يلزمه عكسُه المستوي وهو: بعض الحيوان إنسان، وعكسُ نقيضِه الموافق وهو: كل ما ليس بحيوان ليس بإنسان، وعكس نقيضه المخالِف وهو: لا شيء مما ليس بحيوان بإنسان).

إذاً: (فخرج عن أن يكون قياساً القولُ الواحد) يعني: القضية الواحدة (عُرفاً).

(وإن لزم عنه) عن القول الواحد.

(لذاته) لا لأمرٍ خارجٍ؛ لأنه موافق هنا، لو كان لأمرٍ خارج لا يرِد، ولكن لما كان لذاته لا بواسطة مقدِّمة خارجة حينئذٍ ورَد الإشكال.

قال: (وإن لزم عنه) يعني: الواو حالية هنا.

(وإن لزم عنه لذاته قولٌ آخر كعكسِه المستوي، وعكسُ نقيضه) ومر المثال.

لماذا؟

(لأنه لم يتألف من أقوال) لو قال: من قولين. لكان أحسن، ما دام أنه شرح فيما سبق (من أقوالٍ أي: قولين فأكثر) لو قال هنا: لأنه لم يتألف من قولين. لكان أحسن.

(لأنه لم يتألف عِلَّةٌ لقوله: خرج القولُ الواحد).

قال: (والاستقراءُ) أي: خرج القول الواحد .. وخرج الاستقراء والتمثيل، كلٌ منهما خرج وهو دليلٌ مستقل –الاستقراء-، وكذلك التمثيل المراد به القياس الفقهي: حملُ جزئيٍ على جزئي لعلةٍ، وهذا يسمى قياساً كذلك، والاستقراء يسمى قياساً كذلك، لكنه لا يدخل في هذا الحد، بل هو دليلٌ مستقل.

قال: (والاستقراء، والتمثيل) أراد به الاستقراء غير التام، وسيأتي تعريفُه في آخره.

والتمثيل أراد به القياس الفقهي.

قال: (والظاهر أن الاستقراء والتمثيل لا يخرجان عن القياس وإلا خرجت السفسطة والجدل والخَطابة والشعر لعدم إفادتها اليقين).

هو سيأتي ذكرُه الاستقراء، قلنا: المراد به هنا: الاستقراء غير التام.

الذي يفيد اليقين ما هو؟ الاستقراء التام، والقياس التمثيلي في الجملة عندهم لا يفيد اليقين .. ليس من اليقينيات.

وحينئذٍ سيُذكر له حدٌ خاصٌ في كل منهما، هل هو داخلٌ هنا؟ نقول: لا. ليس بداخل.

لكن هل معنى ذلك أنه لا يسمى قياساً؟ نقول: لا. ليس البحث هنا في كونه هل يسمى قياساً أو لا، لكنه هل هو القياس الذي هو حجة هنا ويُطلق القياس في باب المنْطِق الذي هو الطريق الموصل إلى التصديق المجهول؟ الجواب: لا.

إذاً: فرقٌ بين مسألتين:

هل القياس يُطلق على الاستقراء فيسمى قياس الاستقراء؟ نعم.

هل القياس يُطلق على التمثيل؟ هذا باتفاق؛ لأن الأصوليين هو الذي يُعنون له عندهم، هل يسمى قياساً للتمثيل؟ نعم يسمى قياساً للتمثيل.

لكن هل هو داخلٌ في هذا النوع من القياس؟ الجواب: لا. هذا الذي أراده هنا وسيأتي في آخر الكتاب ذكرُ النوعين.

(والاستقراء والتمثيل؛ لأنهما وإن تألَّفا من أقوالٍ، لكن لا يلزم عنهما -الاستقراء والتمثيل- شيءٌ آخر؛ لإمكان التخلُّف في مدلوليهما عنهما).

الاستقراء أراد به غير التام. إذاً: يمكن أن يتخلف، وسيأتي فيما يأتي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015