(وإلا فمتضايفان) يعني: لا يمكن تعقُّل أحدِهما إلا بتعقُّل الآخر، وهذا مر معنا أنه من باب التضايف (وإلا فمتضايفان كالأُبوة والبنوة.
وإن كان أحدُهما وجودياً والآخر عدمياً، فإن اعتُبر كونُ الموضوع مستعداً للاتصاف بالوجود بعدمٌ وملَكَة -كالعمى والبصر- وإلا فإيجابٌ وسلبٌ وهو التناقض).
إذاً: عندنا هنا في باب التناقض: تقابلٌ بين إيجابٍ وسلبٍ.
والمتقابِلات أربعة: وجود ووجود. وهو ما يسمى بالضدين.
ثم قال: (المتضايفين، ثَم الملَكَة والعدم) التي هي العمى والبصر مثلاً.
(ثم السلب والإيجاب، ولكن هذا الدليل) مشهور عند المناطقة.
(ولكن هذا الدليل - قال العطار-: مبنيٌ على أن المتقابلين لا يكونا عدميين) وإنما بين وجود ووجود أو وجود وعدم، وأما عدميين فلا.
(قال التفتَزاني: ولا دليل على ذلك، كيف وقد أطلق المتأخرون على أن نقيض العدمي قد يكون عدمياً. كامتناع ولا امتناع، والعمى ولا عمى بمعنى رَفْع العمى وسلبِه أعم من أن يكون باعتبار الاتصاف بالبصر أو باعتبار عدمِ القابلية) لكن هذا الذي ذكرناه أولاً هو المشهور عندهم: التقابل أربعة أشياء.
قال: (التَّنَاقُضُ: هُوَ) أي: حقيقتُه.
(اخْتِلاَفُ الْقَضِيَّتَينِ) اختلاف هذا جنس شاملٌ للمعرَّف وغيرِه، وإضافتُه إلى القضيتين فصلٌ أخرج به -كما قال هنا- اختلاف قضيتين، اختلاف هذا جنس.
اختلاف قضيتين، اختلاف مفردين، اختلاف قضية ومفرد. دَخَلَت في الاختلاف؛ لأنه جنس فيشمل الجميع.
(أضافه إلى ما بعده فصار فصلاً فخرج به) كما قال الشارح هنا (خرج به اختلافُ مفرَدين يعني بالإيجاب والسلب نحو: زيد لا زيد، أو بغيرهما) بغير السلب والإيجاب (نحو: السماء والأرض) متقابلان .. متغايران.
(هذا هو المشهور بين المنطقِيِين) يعني: اختلاف قضيتين خرج به اختلاف مفردين.
حينئذٍ لا يقع التناقض بين المفردين وإنما التناقض وصفٌ للقضية، فيقع بين قضيتين لا يقع بين مفردين.
قال المحشي هنا: (هذا هو المشهور بين المنطقيين).
قال العطار: (اقتصروا على تعريف تناقض القضايا لأنه المقصود بالنظر، والمنتفع به في القياسات بناءً على أن التناقض يجري في غير القضايا كما يُفهِمه قولهم في عكس النقيض: هو تبديل كل واحدٍ من طرفي القضية بنقيض الآخر، والطرفان مفردان نحو: كل لا حيوان لا إنسان) هذا عكس ماذا؟ نقيض ماذا؟ كل حيوان إنسان، أو كل إنسان حيوان. كل لا حيوان لا إنسان.
إذاً: دخلت لا. دائماً النقيض تُدخِل حرف السلب على نفس اللفظ، لا تأتي بلفظ آخر. زيدٌ نقيضُه لا زيدٌ، وجود نقيضُه لا وُجود، موجود لا موجود، فوق لا فوق .. وهكذا.
فحينئذٍ نقول: هذا يسمى نقيضاً، ومر معنا كذلك في المعدولة أنه يدخل حرفُ السلب على الموضوع، وحينئذٍ يقول: لا جماد، لا حجر.
إذاً: قد يكون النقيض في المفردات، لكن لا يُذكر هنا؛ لأن المفردات ليست من أبحاث المناطقة إنما بحثهم يكون في القضايا فحسب، ولذلك قال هنا: (بناءً على أن التناقض يجري في غير القضايا كما يُفهِمه قولهم في عكس النقيض: هو تبديل كل واحدٍ من طرفي القيضة بنقيض الآخر، والطرفان مفردان نحو: كل لا حيوان لا إنسان، في عكس: كلُّ إنسانٍ حيوان).