إن أتى بها خاصةً الواجبة لأنه يُلام في تركها فعلى ما جاء به، وإن لم يأت بها فحينئذٍ نعتذر عنه نقول: لعله أتى بها لفظاً؛ لأن النص هنا {كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه} فيه عموم، قال: {لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم} هذا يحتمل الكتابة ويحتمل النطق.
إذاً: لو بدأ كتابه ونطق بالبسملة لا مانع منه؛ لأنه أطلق النص، وأنت إذا قيّدته في الكتابة دون النطق حينئذٍ صار تقييد بغير مقيِّد، فيحتاج إلى دليل ولا دليل. إذاً: فيه عموم.
قال: (نَحْمَدُ اللهَ) (أي: نثني عليه بصفاته).
يعني: فسّر الجملة الفعلية "نحمدُ" بنثني عليه "على الباري جل وعلا" بصفاته.
صفاته الذاتية وصفاته الفعلية على الصحيح، هو لم يرد ذلك، بصفاته أي: بصفات الباري جل وعلا.
الذاتية والفعلية، المتعدية واللازمة.
اشتهر عندهم أن الحمد في العرف: فعلٌ ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعمٌ على الحامد أو غيره. "من حيث إنه منعم" هذه حيث هنا للتقييد.
حيث تأتي في الكلام لثلاثة أشياء: تأتي للتقييد، وتأتي للتعليل، وتأتي للإطلاق. ثلاثةٌ لا رابع لها.
من حيث ُكذا.
الإنسان من حيث هو إنسان. هذا للإطلاق.
من حيث إنه منعِمٌ. هذه تكون للتقييد.
حينئذٍ من حيثُ نقول: له مفهوم، من حيث إنه منعمٌ.
إذاً: من جهة الإنعام يعني: الصفات المتعدية، وأما الصفات غير المتعدية هذه ليست داخلة في الحد، وهذا سبب الخلل في هذا التعريف من كونه غير مقبول عند أهل السنة والجماعة: فعلٌ ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعمٌ، إذا لم ينعم لا يُحمد؟ نعم لا يُحمد، وإنما يُمدح أو شيءٌ آخر.
ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: الحمدُ هو ذكرُ محاسن المحمود، مع حبه وتعظيمه وإجلاله.
شيخ الإسلام لا يسير على الطريقة المعهودة: الجنس وإلى آخره وفصل، وإنما يبيِّن ما دل عليه الكتاب والسنة.
"ذكر محاسن المحمود" الذكر قد يكون باللسان وقد يكون فالفعل.
"محاسن المحمود" أطلق رحمه الله تعالى وهو الصحيح، فيشمل حينئذٍ الصفات الذاتية كالكبرياء، هل يُحمد الله تعالى على كبريائة؟ نعم، هل هو متعدي؟ لا.
هل يُحمد على استوائه على العرش؟ نعم يُحمد.
هل يُحمد على إنعامه؟ نعم يُحمد وهذا محل وفاق، لكن تقييد الحمد أنه يكون في مقابل الإنعام فقط، هذا ليس بصواب.
إذاً: نُثني عليه بصفاته.
(إذْ الحمد هو الثناء) إذ هذا للتعليل، يعني: لماذا فسَّرت؟ هو يعلل لنفسه، لماذا قلت: (نَحْمَدُ اللهَ) (أي: نثني عليه) لماذا فسَّرت الحمدَ بالثناء؟
والثناء معلومٌ أنه الذكر بالخير على قول الجمهور أنه يختص بالخير، يعني: إذا قال: يثني زيدٌ على عمرٍ هكذا أثنى، ولم يقيده بخيرٍ ولا شر يُحمل على الخير. يعني: ذكره بخير؛ لأن الثناء محصورٌ في الذكر بالخير، لكن ذهب بعضهم إلى أنه ليس خاصاً، وإن كان أكثر الاستعمال إنما يكون الثناء في الخير، استدل على ذلك بحديث: {مُرَّ بجنازةٍ فأثنَوا عليها خيراً، قال: وجبت .. فأثنوا عليها شراً} هذا الشاهد {أثنوا عليها خيراً}، {أثنوا عليها شراً} إذاً الثناء يكون في الخير ويكون في الشر، وهذا مذهب ابن عبد السلام رحمه الله تعالى.
(إذ الحمدُ هو الثناء باللسان) وهذا في اللغة، الثناء عرفنا المراد.