بقي شيءٍ واحد وهو الذي يُعترض به على المصنَّف وهو أنه عامٌ لا خاص، والأصح أن يُقدَّر خاصاً لا عاماً؛ لأن ابتدئ .. الابتداء هذا يصدق على كل حدث: يصدق على شرب الماء، ويصدق على الأكل، ويصدق على النوم، وعلى القراءة، وعلى الكتابة والتصنيف، والخروج والدخول ..

أبتدئ، أبتدئ ماذا؟ فيحتاج إلى تعيين.

حينئذٍ الأفصح والأولى أن يُجعل خاصاً: بسم الله الرحمن الرحيم أؤلف.

والحجة هنا: أن يقال: كل من تلبَّس بحدثٍ فلا بد أن يستحضر في قلبه ما جعل البسملة مبدأً له، ولا يمكن أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم وهو يريد الشرب ويستحضر في قلبه أنه يأكل. يمكن؟ لا يمكن، إلا إذا سمَّى الشرب أكلاً.

فحينئذٍ إذا أراد أن يأكل واستحضر في قلبه الأكل لا يمكن أن يقدّر ابتدَأَ أو أيبتدئُ أو نحو ذلك، وإنما يقدَّر الفعل الخاص الذي تلبّس به. وهذا أفصح.

إذاً: لَا بُدَّ لِلجَارِ مِنَ التَّعَلُّقِ.

أن يكون فعلاً لا اسماً، أن يكون مؤخَّراً لا متقدِّماً، أن يكون خاصاً لا عاماً.

قال: (أي أبتدئ).

قال رحمه الله: (وابتدأَ بالبسملة).

يعني: المصنّف ابتدأ كتابه المحقَّق "يعني: الموجود" إن كانت الخطبة لاحقةً أو المقدَّر إن كانت سابقة. فلسفة يعني: ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة.

أيّ كتاب؟

هو الآن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ويشرع في المقدمة، طيب الكتاب قد لا يكون موجوداً، فيقول: ابتدأ كتابه المحقَّق إن كان موجوداً، والمقدَّر إن كان غير موجوداً.

ابتدأ بالبسملة، البسملة هذا مصدر لبسمل يبسمل بسملة، والبسملة هذا قياسي، وإنما بسمل هو الذي وقع فيه النزاع هل هو قياسي أم لا؟

قال: (عملاً بكتابه العزيز) ولو قال: اقتداءً لكان أحسن؛ لأن العمل إنما يكون في الأقوال يعني: يأتي أمر فيحتاج إلى امتثال فيقال: عملاً يعني: امتَثل، ولذلك في قوله: كل أمرٍ ذي بال الأولى أن يقال: وعملاً بخبَرِ كل أمرٍ ذي بال، وأما التأسي والاقتداء هذا لا يكون في الأقوال وإنما يكون في الأفعال.

حينئذٍ الأولى أن يقال: عملاً بكتابه "يعني: اقتداءً" بكتابه العزيز؛ لأنه ابتدأ بالبسملة ((بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:1 - 2] أول القرآن البسملة.

(وبخبر كل أمرٍ ذي بالٍ) يعني: وعملاً.

عملاً هذا مفعولٌ لأجله أو حال من فاعل ابتدأ .. ابتدأ بالبسملة حال كونه عاملاً، أو مفعولاً لأجله يعني: لأجل العمل بكتابه العزيز، وبخبر، وهو مضاف وكلِّ على الإضافة.

(وبخبر كلِّ أمرٍ) يعني: شيء (ذي) يعني: صاحب (بالٍ) يعني: شرف.

(كل أمرٍ ذي بال) يعني: كل شيءٍ يُهتم به شرعاً.

(لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم) أي: بهذا اللفظ، هنا بباءين: ببسم الله. أي: بهذا اللفظ.

(وفي روايةٍ باسم الله) هل يتعين اللفظ؟ على الرواية الثانية باسم الله. لا يتعين اللفظ، لو قال: الرحمن كفى، لو قال: الجبّار العزيز كفى، ولذلك رواية الباءين أصح، وعليه يكون المراد به عين اللفظ.

أي: بهذا اللفظ، وفي روايةٍ (بسم الله) بباءٍ واحدةٍ أي: بأي اسمٍ من أسمائه.

قال: (كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم. أي: مقطوع البركة).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015