بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ:
قال المصنف رحمه الله تعالى: (الْقَضَايَا) بعدما انتهى من الكلام على ما يتعلق بالتصورات بالمبادئ والمقاصد، أخذ في بيان الحجة ومقدماتها مبتدِءً بمقدماتها وهي القضايا فقال: (الْقَضَايَا).
القضايا جمع قضية، سُمِّيت بهذا لأنه قُضِي وحُكم فيها؛ لأن القضاء هو الحكم.
قضى بكذا يعني: حكم بكذا، فهي قضية لأنه مقضيٌ فيها أو محكومٌ.
فهي فعلية بمعنى مفعولة جمعُ قضيةٍ.
قال: (ويُعبَّر عنها) يعني عن معناها (بألفاظ منها: الخبر).
أي: من حيث احتمالها الصدق والكذب، تسمى حينئذٍ خبراً، فالقول المحتمِل للكذب لذاته يسمى خبراً من حيث احتمالُه ذلك، ويسمى قضية من حيث اشتمالُه على الحكم، ويسمى مقدمةً من حيث كونُه جزء قياس، ومطلوباً من حيث طلبُه بالدليل، ونتيجة من حيث إنتاجُه القياس، ومسألة من حيث السؤالُ عنه.
واللفظ واحد يعني: قضيةٌ مؤلفةٌ من مسندٍ ومسندٍ إليه، وتختلف الإطلاقات باختلاف الاستعمال، قد تكون خبراً إذا أُريد بها وقُصد بها ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، قد تكون نتيجة، قد تكون مقدمة.
فحينئذٍ الأسماء متعددة والمسمى شيءٌ واحد، وإنما اختلفت الأسماء باختلاف الاعتبارات.
إذاً: (يُعبّر عنها بالخبر) ليس المراد أنه لا يُعبّر عنها إلا بالخبر لا، قد تسمى غبر خير، لكن إذا أُطلقت فالشائع ما يسمى بالخبر والقضية، يعني: هذان الاسمان -القضية والخبر- يعتبران من أشهر ما تسمى به الجملة الاسمية والجملة الفعلية.
ثم أراد أن يعرِّفها فقال: (الْقَضِيَّةُ:
قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ).
هذا المتن (الْقَضِيَّةُ) حقيقتُها، تعريفُها، ما هيتُها: (قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ) عدَل عن التعريف المشهور: وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته.
مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكِذْبِ الخَبَرْ ... وَغَيْرُهُ الاِنْشَا وَلاَ ثَالِثَ قَرّ
ج
لما سيأتي من اعتبارٍ معيّن فيه.
(الْقَضِيَّةُ: قَوْلٌ) هذا جنس شمِل القضية وغيرَها يعني: يشمل الأقوال التامة والناقصة كما صرَّح بذلك قال: (دخل فيه) كيف دخل فيه؟ لأنه جنس، فاعتبره جنساً ثم عمَّمه، هذا شأن الأجناس خاصةً في الحدود.
(دخل فيه لكونه جنساً الأقوالُ التامة والناقصة) بناءً على أن القول لا يختص بالمركب التام. وعند بعضهم: أن القول مرادفٌ للمركب التام، ولذلك قال بعضهم: (قَوْلٌ) أي: مركبٌ مفيدٌ فائدة تامة.
وهذان احتمالان على حسب اصطلاح من ينظُر، هو محتمِلٌ، لكن الشائع عندهم أن القول هو المركّب، ولذلك مر معنا (الْقَوْلُ الشَّارِحُ)، ولا شك أن (الْقَوْلُ الشَّارِحُ) ليس بمركب مركباً تاماً، وإنما هو مركبٌ ناقص، لذلك هو مركبٌ توصيفي.