(حد الحد نفس الحد، كما أن وجود الوجود نفس الوجود.
بمعنى: أن حد الحد من حيث إنه حدٌ مندرجٌ في الحد وإن امتاز عنه بإضافته إليه).
قال: (لأن حد الحد نفسُ الحد).
قال المحشِّي: (أي: حدٌ فهو فردٌ وجزئيٌ للحد المعرَّف، فعُرِفت حقيقتُه وانشرحت ماهيته بنفسِه، فلا يحتاج لحدٍ آخر).
إذا عرّفت الحد نقول: هذا الحد لا يحتاج إلى حدٍ آخر؛ لأنه هو منكشف بنفسه، والمنكشف المعلوم لا يحتاج إلى إيضاح، وإنما الذي يحتاج إلى إيضاح هو المجهول، حينئذٍ لا يحتاج إلى حد، نمنع أن يكون ثَم احتياجٌ لحد الحد.
(فلا يحتاج لحدٍ آخر حتى يلزم التسلسل، فهو كقول الفقهاء: في الشاة من الأربعين إنها تزكي نفسَها وغيرها) وهو واضحٌ بيِّن.
(لأن حد الحد نفسُ الحد).
قال: (ضرورة أن المعرِّف عين المعرَّف، ولكن هذا من حيث مفهومُ الحد وقطع النظر عن عروض الإضافة لحده، فإن نُظر إليها فحد الحد أخص من الحد).
"حد الحد حدٌ" مطلق الحد، فرقٌ بين مطلق الحد وبين حد الحد، مطلق الحد هذا بقطع النظر عن الإضافة، حد الحد هذا بالنظر إلى الإضافة.
حدُّ الحد هذا أخص من مطلق الحد.
قال: (كما أن وجود الوجود نفسُ الوجود) قال: كذا في النسخة الصحيحة (وجود الوجود نفسُ الوجود في الموضعين، ولعل الصواب فيهما الموجود.
أي: فليس الموجود صفة زائدة على موصوفها كالعلم والقدرة، حتى يُحتاج إلى وجودٍ، ووجودها إلى وجود .. وهكذا فيلزم التسلسل المحال).
لا، الظاهر أن النسخة كما هي ليست "الموجود" وإنما الوجود؛ لأن الوجود إذا قيل: الوجود نفسُه لذات الشيء حينئذٍ نقول: الوجود عينُه، هل هو وصفٌ زائدٌ عليه؟ نقول: لا، وإنما وُجد بنفسه بذاته، كذلك الحد.
فحينئذٍ نقول: حد الحد وُجد بنفسه متضحاً منكشفاً فلا يحتاج إلى غيره، فليس هو قدر زائد عليه حتى يحتاج إلى بيان وإيضاح، وإنما هو معلومٌ، كذلك الوجود عينُ الموجود فلا يحتاج إلى شيءٍ زائدٍ عنه، هذا المراد هنا.
قال العطار: (الوجود كون الشيء في الخارج أو في الذهن) يعني: وجود خارجي ووجودٌ ذهني.
(ومن البديهي أن الكون أمرٌ إضافي مغايرٌ للمضاف إليه).
كون الشيء، لا شك أن كون مضافٌ للشيء، والمضاف والمضاف إليه في الأصل التغاير بينهما، ولذلك قيل: لا يضاف اللفظ إلى نفسه.
وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوْهِمَاً إذَا وَرَدْ
لا بد من تأويله.
قال: (ومن البديهي أن الكون أمرٌ إضافي مغايرٌ للمضاف إليه، فكيف يكون غير الوجود موجوداً في الخارج؟
والجواب: أن مراد من قال: إن الوجود موجودٌ، وأنه منشأ الآثار والأحكام يقول: كل شيءٍ يغاير الوجود يكون موجوداً بالوجود كالشمس يكون مضيئاً بالضوء؛ فإنه مضيءٌ بذاته لا بأمرٍ زائدٍ على نفسه، فكذا الوجود موجودٌ بذاته).
هذا يمكن أن يقال في بعض المخلوقات، لكن الكلام لا ينزَّل على الذات الإلهية، فلا يقال بأنه: يُبصر بذاته لا بقدرٍ زائد على الذات، ويعلمُ بذاته لا بقدرٍ زائد على الذات، هذا مذهب المعتزلة، يرون أن الصفات .. يُنكرونها من حيث أنها قدرٌ زائد على الذات، المعتزلة وغيرهم بعضهم وافقهم.