لأنك إذا قلت: ما الإنسان؟ أنت تجهل الإنسان، ومر معنا أن السؤال هنا بما، إذا كان ما بعده واحدٌ كُلّي، إذا قيل: ما الإنسان؟ الإنسان كُلّي أو جزئي؟ كُلّي.
إذاً: جاء بعده واحدٌ كُلّي يعني: غير متعدد، ما الإنسان؟ الجواب يكون عنه بالحد.
لأنك إذا قلت: ما الإنسان؟ فيقال: الحيوان الناطق، والحيوان هذا كُلّي ذاتي وهو جنسٌ قريب، والناطق هذا كُلّي ذاتي وهو فصلٌ قريب، فرُكِّب منهما -الجنس القريب والفصل القريب- ماهيّة، هذه الماهيّة هي التي يصدُق عليها لفظُ الإنسان، فإذا قيل: الإنسان ما مُسَماه؟ تقول: هذه الماهيّة- ماهيّة الشيء- وهي مركَّبة من جزأين، فكلٌ منهما ذاتيٌ.
قال: (وكالجنس القريب حدُّه) حده كالجنس القريب، كالجنس هذا متعلق محذوف خبر مقدم، "وحدُّه" بالرفع على مبتدأ مؤخر.
حدُّ ماذا؟ الجنس القريب.
يعني: حيوانٌ ناطق، مِثلُه يساويه لو سألت: ما معنى حيوان، ما الحيوان؟ عرّفته، فجئت بدل كون الحيوان -اللفظ هذا- جئت بتعريفه فقلتَ: الناطق، مساوٍ له؟
قال الشارح: (وكالجنس القريب حدُّه) أي: في أن المركَّب منه، ومن الفصل القريب حدٌّ تام.
كقولك في حد الإنسان: هو الجسم النامي الحسَّاس المتحرك بالإرادة الناطقُ، ما قال: حيوانٌ ناطق، حذَف الحيوان وجاء بتعريف الحيوان.
إذاً: إما أن تأتي بالجنس القريب وإما أن تأتي بتعريف الجنس القريب؛ لأنه لو قيل لك: ما الحيوان؟ ستقول: الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، هذا تعريف الحيوان.
ولذلك قال: (كالجنس القريب) مثلُه، الجنس القريب مثلُه (حدُّه) يعني: تعريفه.
فإما أن تعبِّر بالجنس القريب بلفظه: حيوان ناطق، وإما أن تأتي بتعريف الجنس القريب مع الفصل القريب، فهما سيّان.
قال: (وَهْوَ) أي: الحد التام.
(وَهْوَ) (أي: الذي يتركب مما ذُكر) من الجنس القريب والفصل القريب، أو حد الجنس القريب والفصل القريب (الحَدُّ التَّامُّ).
يعني: المعروف عند المناطقة بهذا التعبير.
(أما كونُه حداً) يعني: سُمي حداً (فلأن الحد لغة المنع) وهو كذلك، الحداد سُمّي حداداً لمنعه غير الداخل من الدخول، فسُمي الحد حداً لأنه يَمنع.
(وهو مانعٌ من دخول الغير فيه، ومن خروج بعض أفراده) يمنع من الدخول ومن الخروج.
يمنع من الدخول -من غير الأفراد أن يدخل-، ويمنع من الداخل أن يخرج، كشأن البواب يُسمى حداداً يمنع الداخل أن يخرج والعكس بالعكس.
قوله: (مانع) فيه إشارة إلى أن تسميته حداً من تسمية اسم الفاعل بالمصدر للتعلق والاشتقاق.
هذا كونه حداً، لماذا سُمي حداً؟ للمنع من الجهتين، وأما كونه تاماً -يعني: لماذا سُمي حداً تاماً بهذا القيد من التمام- فلِذِكْرِ جميع الذاتيات فيه.
جميع الذاتيات: الجنس والفصل، وهذا واضح.
(وخرج بذكر ماهيّة الشيء الرسمُ) لأنه قال: على ماهيّة الشيء أي: حقيقتِه الذاتية، ما كان كُلّياً ذاتياً، فخرج ما كان عرَضياً، والرسم إنما يكون بالعرَضيات في الجملة، حينئذٍ خرج بقوله: ماهيّة الشيء، ولكن ما ذكَر الحد الناقص هنا.