(ليتناول الحد الناقص والرسم، فإن تصوراتها لا تستلزم تصور حقيقة الشيء دون امتيازه عن جميع أغياره).
إذاً: معرِّف الشيء ما تستلزم معرفتُه معرفتَه.
قال هنا العطار: (ويرِد على هذا التعريف أمور:
الأول: أن لفظ المعرفة إن كان حقيقة فيهما، لزم اشتمالُ التعريف على المشترَك) يعني: في المعنيين السابقين، قلنا: يأتي بمعنى الإيضاح وبمعنى خطور البال.
حملنا الأول على الأول والثاني على الثاني، أو حملنا الأول على الثاني والثاني على الأول.
الأول: هو اتضاح الشيء بعد أن كان مجهولاً عنده، وهذا فسَّرنا به المفعول به: معرفتَه.
أو المعنى الثاني: خطور الشيء بالبال عن غفلة أو سهو.
حينئذٍ حملنا المعنى الأول -معرفتُه الذي هو الفاعل- عليه. إذاً: المعرفة تُستعمل بهذين المعنيين، هل هو مشترَك لفظي أو أنه حقيقةٌ في النوع الأول ويكون مجازاً في الثاني أو بالعكس؟ ويلزم منه ماذا؟
وقوعُ المشترَك اللفظي في التعريف، وهو ممنوعٌ عند الجماهير.
والثاني: استعمالُ المجاز في التعريف، وهو ممنوعٌ عند الجماهير. إذاً وقعنا في إشكال، هذا أو ذاك.
الأول: أن لفظ المعرفة إن كان حقيقة فيهما "المعنيين السابقين" لزم اشتمال التعريف على المشترك وهو ممنوع، أو حقيقة ومجاز لزم دخول المجاز في التعريف وهو ممنوع.
وإن كان الصواب ما ذهب إليه الغزالي -أبو حامد-: أنه يجوز دخول المجاز في التعريف، لكن إذا وُجدت قرينة ظاهرة واضحة بيّنة، وكذلك المشترَك يجوز دخوله في التعريف لكن بشرط: أن يكون ثَم قرينة، فكل ما وُجدت فيه قرينة جاز؛ لأنه مُنِع من المشترك، ومُنع من المجاز لئلا يرد الوهم بأن غير المحدود –مثلاً- يكون داخلاً في الحد.
فإذا أمكن دَفْعُه بلفظٍ، بوصفٌ، بقرينة حينئذٍ لا إشكال فيه، فيستعمل اللفظ المشترك لكن بقرينة، ويُستعمل المجاز لكن بقرينة.
قال هنا: (فأُجيب عنه) يعني: أجاب بعضهم .. لا يرتضيه العطار.
أجاب بعضهم (بأنا نختار الثاني) أنه مجاز لا مشترَك.
(وقرينة المجاز) أين القرينة؟
قال: (قرينة معنوية، وهي امتناع تعريف المجهول بالمجهول).
هذه قرينة ليست ظاهرة "خفية" ولا يُعدل إلى القرائن الخفية، لا بد تكون قرينة واضحة بيّنة ظاهرة، كل من يقرأ التعريف يقف على القرينة، فإذا كان كذلك فحينئذٍ لا يُستعمل المجاز.
إذاً القول بأنا نختار الثاني وهو أنه مجاز، فأين القرينة؟ قالوا: معنوية ليست لفظية، ما هي هذه القرينة؟
قال: (امتناع تعريف المجهول بالمجهول).
صحيح يمتنع تعريف المجهول بالمجهول، ولذلك قلت لكم: إذا كان يجهل معنى الحيوان الناطق فلا يمكن أن يرفع به جهله بالإنسان، لا بد أن يكون معلوماً، هذا حق.
لكن كيف نصل إلى هذه القرينة؟ هذه القرينة بعيدة.
قال: (وهذا الجواب ضعيف؛ لأن هذه القرينة خفيّة، فالأحسن الجواب بمنع الاشتراك والحقيقة والمجاز).
لا نقول: مشترَك، ولا نقول: حقيقة ولا مجاز، وإنما نقول: هو من قبيل المتواطئ.