قال هنا: (واعلم أن غرض المنْطِقي معرفةُ ما يوصل إلى التصور وهو: الْقَوْلُ الشَّارِحُ، أو إلى التصديق وهو الحُجة، ولكلٍ منهما مقدِّمة.
ولما فرغ من مقدمة الأول) يعني: القول الشارح الذي هو الكُلِّيّات الخمس.
(أخذ في بيانه) يعني: بيان القول الشارح.
فقال: (الْقَوْلُ الشَّارِحُ).
قوله: (مقدِّمة).
قال العطار: لفظ المقدِّمة يستعمله أرباب التدوين في مقدِّمة العلم ومقدِّمة الكتاب.
وإنما الذي شاع هنا أن يقال: مبادئ، هذا الشائع عند المناطقة، لا يُعبِّرون بالمقدمة، وإنما يقولون: مقدمة علم ومقدمة كتاب.
مقدمة العلم التي هي المبادئ العشرة، مقدمة كتاب الأمور الثمانية: أربع واجبة وأربع مستحبة.
وليس شيئاً من هذين المعنيين هنا. لا مقدِّمة الكتاب ولا العِلم.
إلا أن الشارح أطلق على كلٍ من هذين المعنيين لفظ مقدمة؛ لتحقق معنى التقدم فيهما، واستحقاقِهما له فإن الكُلِّيّات الخمس أجزاءٌ للقول الشارح، ولا شك أن الجزء مقدمٌ على الكل.
والجزء مقدمٌ على الكل طبعاً فقُدِّم وضعاً، وكذلك القضايا أجزاء الحجة، والجزء مقدمٌ على الكل طبعاً فقُدِّم وضعاً.
وغير الشارح يُعبِّر عن كلٍ منهما بالمبادئ؛ لكونهما في مقابلة المقاصد. وهو كذلك.
وليست هي مبادئ حقيقية؛ إذ مبادئ العلم خارجة عن العِلم وهي المسائل.
يعني: من باب الاصطلاح، المنازعة هنا في اصطلاحٍ وإلا أرادوا بالمبادئ ما يكون جزءاً منها، وإذا كان كذلك فلا اعتراض.
لكن هو يقول: مبادئ العلم المسائل الخارجة عنه وليست داخلة في العلم، فلو عبَّر بالمبادئ قد يوهم أنها ليست داخلة في علم التصور وليس الأمر كذلك، بل هي داخلة.
قال هنا: (وغير الشارح يعبّر عن كل منهما بالمبادئ؛ لكونهما في مقابلة المقاصد، وليست هي مبادئ حقيقية؛ إذ مبادئ العِلم خارجة عن العِلم وهي المسائل.
وكان الشارح استسهل إطلاق لفظ مقدِّمة عليها) يجوز اللفظان: مقدِّمة ومقدَّمة.
(لفظ مقدِّمة عليها عن إطلاق لفظ المبادئ لإيهامها خروجَهما عن العِلم).
هذا من باب الاعتذار فقط، وإلا الأصل أن يقول: مبادئ وهو أولى، ويراد به أنه جزءٌ من العِلم لا خارجٌ عن العلم.
وأما إذا قيل: مبادئ العلم -إنَّ مبادئ كل فنٍ عشرة- خارجةٌ عن العلم، هذا بقرينة السياق وبقرينة الكلام أنها سابقة عن العلم تُبيِّن معنى الحد والموضوع والفائدة والثمرة، فإذا أُطلق في أثناء الكتاب هنا -مبادئ- لا يُتصور أنها خارجةٌ كما أن الحد والموضوع خارجة، بل هي جزءٌ منها، فلا اعتراض على ما اشتَهر وشاع عند المناطقة.
قال: (الْقَوْلُ الشَّارِحُ).
وهذا نريد أن يكون الحديث متصلاً به، نقف على هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!