قد تستنير بأقوال المتأخرين فيما يُشكِل عليك بأقوال المتقدمين، أناس بذلوا أوقاتَهم في العلم .. إلى آخره، وخاصة فن الحديث يحتاج إلى بذل عُمُر وإفناء الوقت كله في هذا الفن، ولا يستطيع أن يخلُص بقاعدة إلا إذا كان متبحِّراً في الفن. وجدنا الذهبي، وجدنا الِمزِّي، وجدنا كلام ابن تيمية، وجدنا ابن حجر، السيوطي، والسخاوي .. ومن بعدَهم، وجدنا لهم كلاماً يعني: يوافق ما عليه المتقدِّمون، وليس ثَم الخلاف ذاك الجوهري بينهم، وإنما هو في المصطلحات، الشاذ المنكر .. إلى آخره.
نقول: الشاذ والمنكر كلاهما ضعيف انتهينا، سميتُه شاذاً وأنت سمّيتَه منكراً هذا خلاف لفظي ليس خلافاً .. ، إذا قلت: شاذ أو منكر اختلفنا فيه، ما الذي ينبني عليه؟ قبول الحديث وردُّه؟ ما ينبني عليه، إذاً: مقبولٌ ومردود .. الحديث هكذا: إما مقبول وإما مردود.
حينئذٍ هنا يبقى النزاع فيه، فما اتفق عليه المتقدمون لا يجوز خلافه؛ لأنهم أهل الفن وهم الذين أنشئوا العلم، فيجب الوقوف عند حدِّهم.
على كلٍ هنا قال: (تبعَ في اقتصاره على قوله: في الجنس للمتقدِّمين.
بناءً على أن كل ماهيّة لها فصْلٌ فلها جنس، وذهب المتأخرون إلى زيادة: أو في الوجود).
في الجنس أو في الوجود.
قال العطار: القدماء جعلوا الفصل مميِّزاً عن المشارَكة في الجنس، حتى أن كل ما يكون له فصلٌ يكون له جنس؛ إذْ المشاركة في الوجود لا تفتقر إلى التمييز بالفصل، وإلا لزم التسلسُل؛ لأن الفصل أيضاً موجود فالتمييز عنه يحتاج لفصلٍ آخر. هذه عِلَّة المتقدمين .. أنهم اقتصروا على: في الجنس .. مشارك في الجنس، أما في الوجود فلا اعتبار له؛ لأن فَصْل كذلك موجود وحينئذٍ يحتاج الفصل إلى فصلٍ آخر فيلزم التسلسل؛ لأنه موجود فيحتاج إلى فصل آخر ليميزه عن الوجود.
إذاً: كل موجود يحتاج إلى تمييز، وهذا يلزم منه التسلسل.
لأن الفصل أيضاً موجود فالتمييز عنه يحتاج لفصلٍ آخر .. وهكذا.
(لكن لما لم يتم البرهان على انحصار الذاتي في الجنس والفصلِ بهذا المعنى، عدَل عنه الشيخ في الإشارات وتبِعَه المتأخرون) تبعه يعني: ليس هناك برهان يعني: ما اشتمل على مقدمات، الدليل موجود لكن ليس برهاناً يعني: لم يشتمل على مقدِّمات يقينية.
(على انحصار الذاتي في الجنس والفصل) قالوا: الذاتيات منحصرة في الجنس والفصل، ما دليله؟ ليس عندهم برهان، حينئذٍ يمكن الخلاف، فخالف المتأخِّرون المتقدمين.
ولذلك قال: (لكن لما لم يتم البرهان على انحصار الذاتي في الجنس والفصل بهذا المعنى، عدَل عنه الشيخ في الإشارات وتبِعَهُ المتأخِّرون).
ولذلك قال: (وذهب المتأخرون إلى زيادة: أو في الوجود) ومبنى الخلاف: أو في الوجود.
(أي: في تعريف الفصل عقِب في الجنس ليصير التعريفُ جامعاً، ومبنى الخلاف على جواز تركُّبِ الماهيّة من أمرين متساويين وعدمِه.
فمن جوَّز تركُّبَها من ذلك زاد ما ذُكِر) يعني: في الوجود (ومن لا فلا) فلا يزيد.
حينئذٍ المتقدِّمون يجوّزون أو لا؟ لا يجوِّزون، تركُّب الماهيّة من أمرين متساويين.
(على جواز تركيب يفيد أن الخلاف في الجواز العقلي، مع الاتفاق على عدم وجود ذلك).