ولذلك نقول: الإنسان له ماهيّة في الذهن، لها وجود لكن ليس هو الوجود الخارجي، إنما هو وجودٌ ذهني وجود اعتباري، ليس بشيءٍ محسوس، لكن هذا موجود؟ نعم موجود، وجود محسوس، لكن وجود معنى الإنسان في الذهن وجودٌ اعتباري، ولذلك بعضهم أنكره، لكن الصواب أن له وجوداً لكن هذا الوجود ليس المراد أنه شيءٌ يكون داخل الذهن متحيزاً لا، وإنما المراد به الملاحظات.
قال هنا: (دون الماهيّة فتشمل المعدومات، وهي مأخوذة من ما هو).
يعني: أصل ما الاستفهامية هو الضمير.
(والمراد بها ما يقع جواباً عن ذلك السؤال.
قيل: إنها نسبةٌ إلى ما) وهذا هو المشهور: ماهيّة نسبة إلى ما.
(وذلك لأنه لما كانت ما يُسأل بها عن الحقيقة نُسِبت الحقيقة إليها، بمعنى: أنها تقال في جوابها، فيقال للحقيقة: إنها ماهيّة أي: مقولة في جواب ما أو مطلوبة بها، وإن شئت أبدَلت الهمزة هاءً) أين هذه؟ أو العكس: أبدلت الهاء همزةً ما مائيّة يُنظر فيها ويتأمل.
(وقيل: للماهية معنيان: الأول: ما به يجاب عن السؤال بما هو) هذا الذي سبق.
(والثاني: ما به الشيء هو هو، والحق أن لفظة الماهيّة مشتقة من هاتين العبارتين، ومعناها) يعني: معناها الحقيقي (هو الأمر المعقول أي: الحاصل في العقل من غير اعتبار الوجود الخارجي) الأمر المعقول يعني: الشيء الحاصل في الذهن من غير اعتبار شيء في الخارج.
ولذلك قلنا: هذا الوجود الذهني.
قال هنا: (وإذا سُئل عن كلٍ منهما) يعني: الإنسان والفرس، كل واحدٍ منهما أي: وحده.
(لم يصح أن يكون الحيوان جواباً عنه) هذا قلنا الشركة، يقابل خصوصية هناك، الإنسان يصح أن يُسأل عن كل واحد منهما، ما زيدٌ؟ تقول: إنسان.
قال هنا: (وإذا سُئل عن كلٍ منهما) يعني: وحدَه .. عن الفرس فقط، وعن الإنسان فقط.
(لم يصح أن يكون جواباً عنه) لم يصح أن يكون الحيوان جواباً عنه .. عن السؤال.
(لأنه ليس بتمام ماهيته فلا يجاب به، بل بتمامِها وتمامُها في الأول الحيوانُ الناطق).
يعني: فرقٌ بين أن يقول: ما هو الإنسان والفرس والبقر؟ فيقول: حيوان، قدرٌ مشترك.
وبين أن يقول: ما الإنسان؟ إذا قال: ما الإنسان؟ لا يجيبه بالحيوان، وإنما يجيبه بالتعريف .. بالحد، فيقول: حيوانٌ ناطق، لا يأتي بجزء الماهيّة الذي هو الجنس وإنما يأتي بتمامها، ولذلك قال هناك في التعريف: (فِي جَوَابِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الشَّركَةِ المَحْضَةِ) هذه مقابلة للخصوصية هناك .. بأن النوع يُجاب به في الشركة والخصوصية معاً، سواء كان مجتمِعَين أو مفرداً، ما زيدٌ؟ تقول: إنسان، ما زيدٌ وبكرٌ وعمروٌ؟ إنسان.
إذاً: استويا، لكن الجنس لا، وإنما يأتي إذا كان ثَم أفراد متعددة .. حقائق مختلفة، ما الفرس والبقر والحمار؟ تقول: حيوان، أما إذا قيل: ما الفرس؟ تقول: حيوانٌ صاهل .. تأتي بالحد.
إذاً: (وإذا سُئل عن كل منهما -عن الإنسان والفرس وحده- لم يصح عند المناطقة أن يكون الحيوان جواباً عنه -عن السؤال-؛ لأنه -أي: الحيوان- ليس بتمام ماهيته بل هو جزء من الماهيّة، فلا يجاب به -بالحيوان الذي هو جنس- بل بتمامِها، وتمامُها في الأول -يعني: الإنسان- الحيوان الناطق، وفي الثاني -يعني: الفرس- الحيوان الصاهل).