ولذلك اختلافُها لا يؤثر في الحقيقة، فنقول: الإنسان زيدٌ إنسان، وبكرٌ إنسان. نقول: الحقيقة واحدة، كيف الحقيقة واحدة وهذا طويل وهذا قصير؟
الحقيقة واحدة وهي كونه حيواناً ناطقاً، لا يختلفان هي بعينها، لكن هذه الأشياء الزوائد هذه تعتبر مشخِّصات .. تعتبر من الأمور العرَضية فهي خارجة عن الأصل، ولذلك الطويل يعيش والقصير كذلك يعيش.
(كَالضَّاحِكِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ) (لِما مر أنه مركبٌ من الحيوان والناطق).
(لما مر) من أنه يعني .. يعني الإنسان.
(مركبٌ من الحيوان والناطق) عرَفنا الحقيقة والماهية التي يتألف منها الإنسان، وليس منها الضحك مؤلَّفٌ لما مر أنه مركبٌ -يعني: حقيقتُه وماهيته- مؤلفاً من جزأين لا ثالث لهما، وكل جزء هو جزء الماهيّة داخلٌ فيها.
فالماهية تألفت من جزأين اثنين فقط: حيوانٌ ناطق. هل بينها ضحك؟ لا.
إذاً: يوجد الحيوان الناطق دون هذا الوصف، وهذا من أهم الفوارق بين الذاتي والعرَضي: أن الذاتي لا ينفك، لا يوجد إلا بوجود جزئياته الذاتية، وأما العرَضي فلا، يمكن أن يوجد أن يكون ضاحكاً، ولذلك قد يولد أخرس، قد يولَد أعمى، قد يولد مسلوب العقل. وهو إنسان؟ وهو إنسان، ناقصٌ في إنسانيته عن ذاك الذي يرى ويبصر ويفكِّر؟ لا. ليس ناقصاً، الحقيقة هي بعينها نفسِها.
لكن هذه أعراض بمعنى أنه يوجد دون أن يُبصر، يوجد دون أن يكون معه عقل .. إلى آخره.
قال: (لما مر أنه مركب من الحيوان والناطق، فالضاحك خارجٌ عنه) عن الإنسان.
(وعلى هذا) يعني: الذي تقرَّر .. قول المصنف: الذاتي هو الذي يدخل، والعرضي هو الذي يخالفه.
(فالماهية عرَضية) ما المقصود بالماهية؟ يعني: تمام الماهيّة، لو قال: تمام الماهيّة لكان أولى.
(فالماهية) يعني: تمام الماهيّة وهو النوع.
(فالماهية عرَضية) أي: الحقيقة النوعية (عرضية).
(وقد يُطلق الذاتي على ما ليس بعرضي).
(فالماهية عرضية) عرفنا الخلاف الذي أوردناه فيما سبق من كلام الشيخ الأمين رحمه الله تعالى.
ثم قال: (وقد يُطلَق الذاتي على ما ليس بعرضي) قال العطار: هذا مختار الشيخ الرئيس، جمَع بين وصفين: الشيخ الرئيس.
فالذاتي عنده ما ليس بعرضي ..
أنا قلت لكم فيما سبق: العطَّار حواشيه جيدة، لكن عنده تعظيم للمتقدمين، والأولى أن يقال: بأن المنْطِق ما دام أنه استُعمل في الشرعيات لو تُصرِّف في بعض المصطلحات لا إشكال فيه. يعني: أسْلَمَةُ المنْطِق لا إشكال فيها.
فإذا عُدِّلت بعض المصطلحات لا إشكال فيها، لا نقول: لماذا خالفت الرئيس.
انتبهوا لهذا؛ لأني أحياناً أُثني على بعض الكتب فيأخذها الطالب على عماها هكذا، نقول: لا. انتبه يعني، هو فيه تحقيقات وفيه نقول وفيه أشياء جيدة، لكن عنده هذه الميزة في جميع حواشيه .. عنده شيءٌ من التعصب للمتقدمين.
ولذلك يشن حملة على المتأخرين يقول: ما فهموا، هذا من قلة الفهم، من قلة العقل، عمى البصيرة، خبط خبط عشواء .. عنده هذه الألفاظ كابن حزم هناك رحمه الله.
قال: (وقد يُطلق الذاتي على ما ليس بعرضي فتكون الماهيّة ذاتية).
قال العطّار: هذا مختار الشيخ الرئيس. يعني: يُطلق الذاتي على ما ليس بعرضي، ما هو الذاتي؟ ما ليس بعرضي.