قال: ينبغي للطالب أن يطَّلع على مختصرات المنطق ويأخذه عن شيوخه ويفهم معانيه بعد "بعد" تدل على الترتيب- بعد أن يفهم النحو.
وهذا يدل على أن أولئك الأقوام إنما ساروا على الجادة يعني: يأخذوا النحو، ثم إذا أراد أن يرتقي إلى كتب المتوسطين، ومعلومٌ أن عبارات في اصطلاحات المنطقة التي يستعملها النحاة الذين يشرحون الكتب إنما ليست في كتب المبتدئين، لا يوجد في شروح الآجرومية مثلاً (إلا في شرحه الأعلى) .. لا يوجد في شروح الآجرومية مصطلحات المناطقة: تَصَوُّر وتصديق ... إلى آخره، لا يوجد والله أعلم.
وإنما يوجد في القطر وما بعده، حينئذٍ يأخذ ما يحتاجه المبتدئ، ثم قبل الولوج في المتوسطات من كتب النحو يقول: تأخذ شيئاً من مختصرات المنطق؛ لأن العلوم يخدم بعضها بعضاً، ليس عندنا طريق واحد تشقه وتمشي لا، وإنما العلم له شعب، وكل شُعبةٍ تخدم الشعبة الأخرى، بينهما تعاون.
حينئذٍ إذا أراد الطالب أن ينظر في علمٍ ما ويجد مشقة في فهم بعض الاصطلاحات فلا بد أن يقدّم قبل أن يلج هذه الكتب المتوسطة أو المطولة لا بد أن يأخذ شيئاً من العلم الآخر ليعينه.
الطالب الذي يقرأ في الفقه مثلاً، أخَذَ المسألة وحكمَها، ثم إذا أراد أن ينتقل قد لا يحتاج في هذه المرحلة إلى علم أصول الفقه، إذا كان ستُلقَى عليه المسألة تصويراً فقط، بيان الحكم والدليل قد لا يحتاج إلى أصول الفقه، لكن إذا أراد أن يرتقي إلى القولين فحينئذٍ يقع تضارب: حرام، جائز، مكروه .. إلى آخره.
فكيف يميّز بين هذا وذاك؟ كيف يفهم ما يرِد على هذا القول والقول الآخر؟
فلا بد أنه قبل أن يلج في المرحلة المتوسطة أن يأخذ شيئاً من أصول الفقه، كذلك هنا كلام الشوكاني رحمه الله تعالى.
قال: بعد أن يفهم النحو.
النحو مقدّم، وهو أول علوم الآلة التي ينبغي العناية بها، يدرس علم النحو؛ ليفهم ما يبتدئ به من كتبه ليستعين بذلك على فهم ما يورده المصنفون في مطولات كتب النحو ومتوسطاتها من المباحث النحوية.
قال: ويكفيه في ذلك مثل: المختصر المعروف بإيساغوجي -كتابنا-، أو تهذيب السعد وشرحٍ من شروحهما.
يعني: إما إيساغوجي وإما تهذيب السعد للشمسية. إما هذا وإما ذاك.
وليس المراد هنا (بدراسة هذين الكتابين) إلا الاستعانة بمعرفة مباحث التصورات والتصديقات إجمالاً.
يعني: كمرحلة أولية فقط.
لئلا يعثُر على بحث من مباحث العربية من: نحو أو صرف أبو بيان قد سلك فيه صاحب الكتاب مسلكاً على النمط الذي سلكه أهل المنطق فلا يفهمه.
يعني: لئلا يقع في حرج؛ لأنه قد تأتي عليه مسألةٌ فيها اصطلاحٌ للمناطقة، أو مسألة مبناها على قاعدة من قواعد المنطق، فكيف يفهمها؟ لا بد أنه يستعين بذلك يعني: الفن المختصر قبل الولوج في هذه الكتب.
قال: لئلا يعثر على بحث من مباحث العربية من نحو أو صرف أو بيان قد سلك فيه صاحب الكتاب مسلكاً على النمط الذي سلكه أهل المنطق فلا يفهمه، كما يقع كثيراً من الحدود والإلزامات فإن أهل العربية يتكلمون في ذلك بكلام المناطقة، فإذا كان الطالب عاطلاً عن علم المنطق بالمرة لم يفهم تلك المباحث كما ينبغي.