ومن نظر إلى الاستعمال فقط قال: جزئية فقط ولا تأتي كُلّيّة؛ لأن الوضع هذا شيءٌ مهجور .. أمر عقلي اعتباري فقط.
ومن نظر إلى النوعين قال: هي كُلّيّةٌ وضعاً جزئيةٌ استعمالاً، والخلاف لا ينبني عليه شيء.
إذاً: (وَالمُفْرَدُ) عرَفنا المراد به.
قال: (بالنظر إلى معناه) هذا فيه إشارة إلى ما ذكرناه سابقاً: أن الكُلّيّة والجزئية وصفان للمعنى حقيقةً، ووصفُ اللفظ بهما مجازٌ من وصفِ الدال بصفة مدلوله، وهذا واضح من حيثُ .. (بالنظر إلى معناه) لا بالنظر إلى لفظه وإنما بالنظر إلى معناه.
ينقسم من جهة المعنى إلى: كُلّي وجزئي.
إذاً: الكلِّي وصفٌ للمعنى، والجزئي وصْفٌ للمعنى.
قيل: أُورِد على قوله: (بالنظر إلى معناه) أن معنى المفرد ما لا يدل جزءه على جزء معناه بالإرادة. وهذا كُلّي، مفهومُ المفرد كُلِّي أو جزئي؟ كلِّي، فكيف ينقسم إلى الكلي إلى كلي؟ هو كلي كيف ينقسم إلى كُلِّيٍّ وجزئي؟
قال: فكيف يقسِّمه إلى كُلِّيٍّ وجزئيٍّ؟ وأُجيب بأن المراد بالمفرد مصدقُه -كإنسان وزيد- لا لفظُه ولا مفهومُه.
ليس التقسيم للمفهوم هنا، وإنما التقسيم باعتبار المصدَق يعني: الآحاد والأفراد هي التي يُحكَم عليها بكونها كُلّيّة أو جزئية.
قال رحمه الله تعالى: (وَالمُفْرَدُ: إِمَّا كُلِّىٌّ، وَإِمَّا جُزْئِيٌ) وجهُ التسمية بالكلي والجزئي.
قيل: الكلِّي كالحيوان مثلاً منسوبٌ إلى الكلِّي الذي هو الإنسان مثلاً، والجزءُ كزيدٍ منسوبٌ إلى جزئه الذي هو الإنسان أو الحيوان، فمصدوقُ الكلِّي جزءٌ إليه ينسب الجزئي، ومصدوق الجزئي كلٌ نُسِب إليه الكلِّي.
هذا المراد به "الكلِّي" الياء هذه هل هي ياء النسبة أو لا؟ فيها خلاف.
هل هي أصلية كياء الكرسي، أم أنها زائدة للنسبة؟ محل نزاع.
من قال بأنها للنسبة ذكَر ما ذكرتُه سابقاً وهو قول العطار.
من قال بأنها ليست للنسبة كما قال المحشِّي هنا: الظاهر أن الياء فيهما ليست للنسَب، وأنها من حروف الاسم الأصلية كياء الكرسي.
ورَدَّ على الكلام السابق.
قال: (إِمَّا كُلِّىٌّ) وعرَّف هذا الكلِّي قال: (وَهُوَ الَّذِي لاَ يَمْنَعْ نَفْسُ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ مِنْ وَقَوعِ الشَّركَةِ فِيهِ. كَالْإِنْسَانِ).
ما لا يمنع تعقُّلُه من وقوع الشَّرِكة فيه، من حيث المعنى إذا تصوره العقل يعني: فَهِم المعنى، فهم المدلول لا يمتنع في العقل أن يصدُق على أفراد، وأقل الأفراد اثنان فصاعداً.
ولذلك بعضهم يعرِّف الجنس بأنه ما عم شيئين فصاعداً، أقل ما يُضم شيء إلى شيء اثنان، أقل الجمع في هذا الموضع عند المناطقة على جهة الخصوص اثنان.
إذاً: ما لا يمنع تصوُّر مفهومه (وَهُوَ) أي: الكلِّي.
حقيقتُه (الَّذِي) هنا جنس يشمل الكلِّي والجزئي.
(لاَ يَمْنَعْ نَفْسُ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ) نفس هنا بمعنى الذات، لا يمنع ذاتُ تصوُّرِ يعني: فَهْمِ.
(مَفْهُومِهِ) يعني: مدلوله، إضافة بيانية، والمراد بتصور المفهوم حصولُه في الذهن.