هذه جزئية وليست كُلّيّة؛ لأنها هنا مقيَّدة بزيد، كذلك إذا قلت: أصول الفقه. هنا ثلاثة أجزاء التي هي: أصول، والفقه، ثم النسبة التقييدية.

ولذلك نعرِّف الإضافة في باب الإضافة في النحو: نسبةٌ تقييدية.

ما المراد بالنسبة التقييدية؟ هو تقييد الأول بالثاني، هذه أمرٌ عقلي يعني: لها صورة لكنها صورة عقلية، وأما الذي يُلفَظ هو الجزء الأول والجزء الثاني.

إذاً: الفعل له جهتان: جهة يوصف بكونه كُلياً. وهذا هو المشهور وهو الذي يُطلقه أكثر المناطقة.

وجهة يوصف بكونها جزئي وهو باعتبار النسبة إلى فاعل مخصوص.

وأما باعتبار الحدث بقطع النظر عن الفاعل المخصوص فهو كُلِّي، ولذلك تقول: ضرب، وأكل .. وإلى آخره، هذا لا يختص به زيد دون عمرو، وإنما يتصور العقل وقوع الشرِكة فيه.

وأما الحرفُ، فالحقُّ "مع وجود الخلاف فيه" أنه جزئي لا غير؛ لأنه موضوعٌ وضعاً عاماً لمعنى مخصوص.

فـ: مِن دالةٌ على ابتداءٍ معيّن هو ابتداء المتكلِّم السير من البصرة. إذا قيل: "مِن" مِن حرف ابتداء. ابتداء ماذا لماذا؟ البصرة إلى الكوفة، مكة إلى جدة .. إلى آخره، نقول: هل المسافة أو الابتداء ابتداءً وانتهاءً هل هو مقصودٌ مخصوص أم أنه مطلق؟

لا يظهر الابتداء إلا بعد الاستعمال، إذا كان كذلك فحينئذٍ صار مخصوصاً؛ لأن الابتداء لا يتعين تقول: ابتداء ولا يُلتفت أصلاً إلى الحرف إلا بعد التركيب، وإذا كان كذلك فنظراً إلى كونه لا يُستعمل إلا جزئياً حُكِم عليه بكونه جزئياً.

وأما باعتبار الوضع فقد قيل أنه كُلّي، ولذلك قال: أنه مطلق عام لأي ابتداء يعني: صالح لأي ابتداء .. لا يختص به.

فإذا استُعمل من البصرة إلى الكوفة معناه أنه لا نستعمل من ابتداءً إلى كذا في غير البصرة إلى الكوفة أم أنه يُستعمل؟ نقول: يستعمل، هذا معنى الكُلّيّة باعتبار الأصل والوضع.

كل متكلم إذا أراد الابتداء (من، إلى) يأتي بلفظ مِن، ويُراد بها الابتداء الزماني أو المكاني، لكن إذا استعملها صارت جزئياً، وأما قبل ذلك فهي قابلةٌ للاشتراك.

وأما الحرف فالحق فيه أنه جزئي لا غير؛ لأنه موضوع "هنا باعتبار الوضع لا باعتبار الاستعمال" موضوع وضعاً عاماً لمعنًى مخصوص، فمِن دالةٌ على ابتداء معيّن هو ابتداء المتكلم السير من البصرة، وجُعِل آلةً لتُعرَف حالهما فهو غير مستقل بالمفهومية، ولذا لم يصح الإخبار به ولا عنه، والتُزِم أن يُذكر معه متعلَّقُه ومجرورُه، وهذا الابتداء المعنى الذي هو معنى مِن مثلاً ممتنع صدقُه على كثيرين. فهو جزئي وهو كذلك.

إذا قيل: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ)) [الإسراء:1] هذا ابتداءٌ معيَّن، خاصٌ ولا بد له من جار ومجرور، ولا بد له من متعلَّق.

فحينئذٍ نقول: هذا لا يحتمل الشرِكة، هل يحتمل الشركة؟ لا يقبل، ما أَفهم اشتراكاً الكلُّي، والذي لا يُفهم اشتراكاً هو الجزئي، وهذا لا يُفهم اشتراكاً لأنه اختص بالاستعمال.

فهل النظر "هنا محل الخلاف" هل النظر إلى الوضع فقط، أو الاستعمال فقط، أو لهما معاً؟

فمن نظر إلى الوضع فقط قال: الحروف كُلّيّة، وقد قيل به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015