حينئذٍ مفهوم المفرد سلبٌ ومفهوم المركب إثباتٌ، والإثبات مقدّمٌ على السلب؛ لأنه لا يمكن أن يسلب شيئاً إلا بعد معرفته، فيكون العكس هو أولى.

قال هنا: (مقدّمٌ طبعاً فقُدّم وضعاً ليوافق الوضعُ الطبعَ).

قال -هذا تعليلٌ آخر-: (ولأن قيوده عدمية والعدم مقدمٌ على الوجود).

قيود ماذا؟ المفرد، إذاً: قدَّم المفرد على المركب لأن قيوده عدَمية.

(والعدم مقدم على الوجود) هذا لا يُسلَّم كذلك؛ لأن هذا إنما هو في العدم المطلق، وليس مما نحن فيه بل العدم هنا إضافي؛ لأنه عدم ملكة ليس سلباً مطلقاً، ليس نفياً مطلقاً وإنما مقيد.

(بل العدم هنا إضافيٌ لأنه عدم ملَكَة وهو متأخرٌ في التعقُّلِ عن الملكة).

إذاً: الأصل فيما ذكره المصنف أنه قدَّم المفرد على المركب للعلتين المذكورتين، والصواب أن المركب هو الذي يقدَّم على المفرد.

قال هنا: قوله (ولأن قيوده) أُورد عليه أن المتقدم قيد واحد لا يدل أو لا يُراد.

وأُجيب بأنه في قوة قيودٍ، وبأن الجمع للتعظيم.

قال: (وأراد بالمؤلَّف المركب، فالقسمة ثنائية) أراد المصنف هنا بالمؤلَّف المركّب؛ جرياً على المشهور بين المناطقة من أنه لا فرق بين التأليف والتركيب.

(فالقِسمة) الفاء للتفريع.

(ثنائية) يعني: القسمة للفظ ثنائية: إما مركَّب، وإما مفردٌ.

وبعضهم يقول: إما مركب، وإما مؤلَّف، وإما مفرد .. القسمة عنده ثلاثية، لكن المشهور بين المناطقة هو أن التأليف والتركيب بمعنى واحد هما مترادفان، ولذلك قال في الحاشية: جرياً على المشهور بين المناطقة من أنه لا فرق بين التأليف والتركيب.

قال: (وذهب بعض المناطقة وأهل العربية إلى أن التأليف أخص من التركيب) فكل مؤلَّف مركب من غير عكس، إذا قيل: أخص حينئذٍ يجتمعان وينفردان، إذا كان بينهما عموم وخصوص وجهي.

(إلى أن التأليف أخصُّ من التركيب لاشتراطهم في التأليف الأُلفة والمناسبة دون التركيب).

هذا ما ذكرناه في ما ذُكر على تبويب ابن مالك رحمه الله تعالى: باب الكلام وما يتألف منه، قيل: ابن مالك رحمه الله يرى التفرقة بين التأليف والتركيب، فالتأليف يُشترط أن يكون ثَم أُلفة ومناسبة بين الجزأين، وأما التركيب فلا يُشترط.

إذاً: التركيب قد يكون مع ألفة ودونها فهو أعم، والتأليف لا يكون إلا مع الألفة والمناسبة فهو أخص، فكل مؤلَّف مركب ولا عكس.

قال هنا: (فالقسمة ثنائية، ومن أراد به ما هو أخص منه فالقسمة عنده ثلاثية).

(ومن أراد به) أي: المؤلَّف.

(ما) أي: معنى.

(هو) أي: المعنى المراد من المؤلَّف.

(أخص منه) أي: من المركب.

فالقسمة حينئذٍ ثلاثية مفرد، ومركب، ومؤلَّف.

والفرق بين عبدِ الله علماً وحيوانٍ ناطق عَلماً، هذا الذي هو محل إشكال، عبدُ الله عَلماً صار نسياً منسياً، فالمعنى لو سُلِّم به ليس داخلاً في المفهوم، وأما حيوانٌ ناطق فهو داخلٌ في المفهوم، فمن فرَّق جعل القسمة ثلاثية، ومن سوَّى جعل القسمة ثنائية.

ولذلك قال هنا -أراد التعريف على التقسيم الثلاثي-: (فالقسمة عنده ثلاثية: مفردٌ) هذا بيان الأقسام الثلاثة، بدل بعض من كل.

(وهو) أي: المفرد على هذا الوجه.

(ما لا يدل جزءه على شيء كزيد) خصَّه بنوعٍ واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015