لأن كلاً من الدلالة العقلية والطبيعية غير منضبط، يختلفُ باختلاف الطبائع والأفهام، فاختص النظر بالدلالة الوضعية لانضباطها والاحتياج إليها في العلوم.

قال رحمه الله تعالى: (ولمَّا كانت الدلالة نسبةً بين اللفظ والمعنى).

(ولما كانت الدلالةُ نسبةً) الدلالة أي: لا بالمعنى الكلي، عرَّف الدلالة مرتين: التعريف السابق والتعريف اللاحق.

التعريف السابق: (كونُ الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيءٍ آخر) هذا مُطلق الدلالة.

فدخل فيه الوضعية والعقلية والطبيعية.

ثم عرَّف الوضعية خاصة: كونُ اللفظ بحيث متى أُطلق .. إلى آخره.

ثم قال: (هي المرادة هنا).

ثم قال: (ولما كانت الدلالة) أيُّ دلالةٍ؟ مطلق الدلالة أو الدلالة المعيَّنة الوضعية؟ المعيَّنة.

لأنه لما قال: (وهي المرادة هنا) انتهى، ما لا بحث لنا فيه انتهينا منه، أُلغي، وأما الذي لنا بحثٌ فيه فهو الذي نفصِّل فيه.

قال: (ولما كانت الدلالة) أي: لا بالمعنى الكلي السابق، بل بمعنى أخص منه وهي الدلالة اللفظية الوضعية.

(نسبةً بين اللفظ والمعنى) بل بينهما وبين السامع، اعتُبرت إضافتها تارة إلى اللفظ فتُفَسَّر بذلك، وتارة إلى المعنى فتُفَسَّر بفهم المعنى منه أي انفهامِه، وتارة إلى السامع.

اختلف أهل العلم -يعني: المناطقة وغيرهم- في تعريف الدلالة.

المصنف قال: (كون الشيء بحيثُ يَلزم) واشتهر عند المتقدمين: فهمُ أمرٍ من أمرٍ بالفِعْل.

هل الخلاف في تعريف الدلالة خلافٌ جوهري أم أنه خلافٌ لفظي؟

هو يريد أن يبيِّن أن الخلاف في تعريف الدلالة خلافٌ لفظي، وإنما هو بالاعتبار والنسبة فقط.

ولذلك قال: (ولما كانت الدلالة) أي: المعتبَرة هنا. وهي اللفظية الوضعية بدليل ما تقدم، وما يأتي ففيه إظهارٌ في محل الضمير لمزيد الإيضاح، ما قال ولما كانت هي، قال: (ولما كانت الدلالة).

قال: (نسبةً بين اللفظ والمعنى).

قال المحشِّي: قصَد به توجيه اختلاف المتقدمين والمتأخرين في تعريف الدلالة، هل هذا الخلاف خلافٌ جوهري أم خلافٌ صُوري لفظي؟

قال: في تعريف الدلالة وأنَّ كلا التعريفين صحيحٌ.

إذاً: لا نخطِئ أحد التعريفين، مبنيٌ على اعتبارٍ صحيح غيرِ الاعتبار الذي بنا عليه الآخر مع زيادة اعتبارٍ صحيح ينبني عليه تعريفٌ ثالث صحيح أيضاً، يفيد أنها صفةٌ للسامع.

إذاً: الدلالة نسبةٌ بين اللفظِ والمعنى، ونسبةٌ كذلك مع السامع.

فعندنا ثلاثة أشياء: فمُمْكن أن تنظر إلى الدلالة من جهة اللفظ، ويمكن أن تنظر إلى الدلالة بجهة المعنى.

فمن عرَّف الدلالة بأنها فهمُ أمرٍ من أمرٍ نظَر إلى المعنى، والعكسُ نظَر إلى اللفظ. وكلٌ منهما لا بد منهما في الدلالة؛ إذ لا يكون الدال دالاً إلا إذا كان لفظاً واشتمل على معنى، ولا يكون المعنى المدلول عليه إلا بلفظٍ.

إذاً: من نظر إلى اللفظ فعرَّف الدلالة فهو صحيح، ومن نظر إلى المعنى فعرَّف الدلالة فهو صحيح، ومن نظر إلى السامع باعتبار تعلُّقه باللفظ والمعنى فهو صحيح. هذا الذي أراد.

قال القُطْب في شرح المطالع: التحقيق أن هاهنا أموراً أربعة.

يعني: عندنا في مسألة الدال والمدلول أربعة أشياء.

اللفظ. وهو نوعٌ من الكيفيات المسموعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015