إذاً: متى سور الإيجاب الكلي، وإذا للإهمال يعني: لا تفيد كُلّيّةً ولا جزئية، فيُشترط في دلالة الالتزام التي هي فردٌ من أفراد الدلالة الوضعية أن يكون اللازم بيّناً بالمعنى الأخص.
ولذلك بيَّناه فيما سبق، قلنا: دلالة الالتزام لا بد أن يكون اللازم بيّناً بالمعنى الأخص. فإن لم يكن بيّناً فليست دلالة التزام، فإن كان بيّناً بالمعنى الأعم كذلك ليست دلالة التزام.
قال هنا: أن يكون اللازم بيِّناً بالمعنى الأخص، ولو عبَّر بإذا لأفادت الدلالة في الجملة .. متى ما حصل التزامٌ بقطع النظر عن كونه بيّناً خاصاً أو بيّناً عاماً. وهذا ليس مراداً.
قال: لو عبَّر بإذا لأفادت الدلالةَ في الجملة ولو في بعض الصُّور، وهذا صادقٌ باللازم البيِّن الأعم وليس مراداً؛ لأن المهملة في قوة الجزئية، وأيضاً الجزئية غير معتبرة في مسائل العلوم الحِكْمية التي المنْطِق مقدمةٌ لها أو جزءٌ منها.
فإن قلتَ: قد يكون المدلول معلوماً قبل سماع الدال.
إذاً: (كون اللفظ بحيث متى أُطلق فُهِم منه المعنى).
متى ما أطلَقتَ اللفظ فهِم السامع المعنى، متى ما تكلم المتكلم باللفظ فهمتَ أنت المعنى.
يرد إيراد: قد يكون المدلول معلوماً قبل سماع الدال، هل تتحقق الدلالة أم لا؟ نقول: نعم تتحقق، لو سَمِع السامع اللفظَ ثم لم يأت بجديد، هذا كالمسألة التي يذكرها النحاة وهي: السماء فوقنا.
يعني: هل يُشترط في الفائدة أن تكون متجددة أو لا؟
فإذا قيل: يُشترط تجدُّد الفائدة، فإذا قال قائل: السماء فوقنا، كلكم تعرفون هذا، هذا ليس بكلام، الأرض تحتنا، نحن الآن في المسجد وبعد العشاء .. هذا كله لا يسمى كلاماً؛ لأنه ما أفاد فائدة جديدة باعتبار السامع. والصحيح أنه يُعتبر كلاماً.
هنا إذا صحَّحنا هناك أنه يُعتبر كلاماً ولو كانت الفائدة غير متجددة، كذلك لو أَطلَق الدال والسامع قد فَهِم، هل دل أو لا؟ نقول: نعم دل؛ لأن المراد به دل ولو في الجملة.
فإن قلتَ: قد يكون المدلول معلوماً قبل سماع الدال فلا يتحقق حينئذٍ فَهمُ ذلك المعنى عند إطلاق ذلك اللفظ، وإلا لزم فهمُ المفهوم وهو تحصيلٌ للحاصل.
أُجيبَ بأجوبة أحسنُها: أنه يلزم من العلم بالدال العِلمُ بالمدلول بوجهٍ ما، ولو كان ذلك المدلول معلوماً، فكل ذلك لجواز أن يُعلمَ شيءٌ واحدٌ بوجوه متعددة متعاقبة.
على كلٍ يسمى دالاً ولو كان المعنى أو المفهوم ليس جديداً على السامع بل سمِعَه فيما قبل.
قال: (وهي المرادة هنا) هنا أين؟ هنا بماذا نُفسرها؟
(هنا) يعني: في هذا العِلم، عند المناطقة يعني.
(وهي المرادة هنا) أي: الدلالة اللفظية الوضعية التي تعريفُها: كونُ اللفظ بحيث متى أُطلِق فُهِم منه المعنى هي المرادة هنا.
متى ما أُطلقت الدلالة انصرف إلى هذا المعنى، فليست العقلية ولا الطبيعية.
(وهي المرادة هنا) لأن كلاً من الدلالة العقلية والطبيعية غير منضبط، العقول تختلف والطبيعة تختلف فليست منضبطة، وأما وضعُ اللفظ بإزاء المعنى فهذا منضبط، ودائماً المناطقة يريدون أن يقعِّدُوا على شيءٍ منضبط؛ لتكون قواعد منضبطة.