) ودقيقٌ قَدى الهباء أنيقٌ ... مُتَوالٍ في مُستوٍ هَزْهَازِ (
أي وفيه فرند دقيق، قدر الهباء في شكله وتضاؤله. متوالٍ: متتابع في مستوٍ، أي في متن مُستوٍ. فأقام الصفة مقام الموصوف، وقواها بهزها، فحسن ذلك.
) يا مُزيل الظلام عنى وروضى ... يوم شُربي ومعقلي في البراز (
البرازُ: الصحراء. يقول لسيفه: إذا اسودت الدنيا على بنزول الملمات، كشفتها عنى وفرجتها. وقد يعنى به أنه يزيل الظلام عنه بمائه وضيائه) وروضى يوم شُربى (: شبهة بالروض في خُضرته، وجعله روضة يوم شربه، على ما تجرى به عادة الشجاع من تلقفه سيفه وتنزيهه طرفه فيه، متأملاً لحسنه وما هيه جوهره. وكان أذهب في الصنعة أن يقول:) وروضتي (لأن الروض جمع، وهو يخاطب واحداً، ولكن هذا واسع كثير.) ومعقلى في البراز (: أي أنى أمتنع بك إذا امتنع غير بحصن، لأن الشجاع إنما يلجأ إلى سلاحه لا إلى معقل، كقوله هو:
) جواشنُها الأسنةُ والسيوف (
وكقوله:
) فلا أحارب مدفوعاً إلى جُدُر (
وإن شئت قلت: إذا كنتُ في الصحراء فلم أجد معقلاً، فأنت أيها السيف هناك مَعْقِلى.
) إن بَرقى إذا بَرَقْتَ فعإلى ... وصليلي إذا صَلَلْتَ الرتجازي (
يذهب بذلك إلى التقريب بين نفسه وسيفه، لما أن مثل نفسه به في جوهره أراد أن يكمل تشبييهها به في أعراضه، فيقول: ايها السيف، لا تظني مُقصراً عنك، بأن لالَمْعَ لي كَلمْعِك، ولا صليلي ني كصليلك، فإنك إن قدرت ذلك، فأنت مخطى، لأن ما يُوازي لمعك وصليلك منى، أشرف من لَمْعك وصليلك. أنا أفعل بك يوم الروع ما يكسو جبيني وسائر وجهي ضياء، استبشارً به وفرحاً. فذلك البشر هو برقى المُوازي لبرقك، وأرتجز بشعري إذا صُلت فيقوم ذلك مقام الصليل لك فإذن لايُقصر حإلى عن حالك.
) وَلقَطْعِى بك الحديدَ عَلَيهْا ... فكلانا لجِنِسه اليوم غاز (
وهذا أيضا زيادة في تقريبه بين نفسه وسيفه. يقول: أنا أقتل أقراني وهم جنسي، وأننت تقطع عليهم الدروع والمغافر والترك، وكل ذلك جنسك، فقد حكيت فعلك في نوعك، بفعلي في نوعي. أنا انسان أقتل إنساناً، وأنت حديد تقطع حديدا. وهذا من أبدع الصنعة، مثل نفسه بذاته، في سيفه بذاته، ثم عرضهُ المتصل به الذي لا يتعداه، كالبرق والصليل، ثم في عرضه الذي يُوقعه بغيره، عن حركة واستعمال، وهو قطعُهُ الحديد، فقدم ما هو من الذات لا يتعداها، وأخر ما يتعدى الذات. فتفهمه فإنه غريب.
) كَيْف لايَشتكى وكيف تَشكَّوْا ... وبهِ لا بِمَنْ شَكَاها المرَازِى (
أي كيف لا يشتكى هذا الممدوح وهو الذي يتحمل المغارم، ويتكلف المُؤن بذاته، وماله فيه المرازي. وكيف تشكاها هؤلاء وقد احتملها هو عنهم فالعجب من شكواهم ولا زُرء بهم، ومن يحتمل الرزية عنهم لا يشتكى. فتقدير القضية: وبه المرازي لا بمن شكاها.
والمرازي: جمع مرزأة، وكان حكمه المرازي، فأبدل إبدالاً صحيحا قياسيا، لانه لا يوصل بالهمزة المخففة إلا هكذا، أعنى أن نبذل ابدالاً محضاً، حتى تلحق بحروف العلة، ولذلك استشهد سيبويه على أن الهمزة تبدل إبدالاً صحيحاً في حال الاضطرار، كبيت عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
وكنت أذل من وتدٍ بقاعٍ ... يُشججُ رأسه بالفهرِ واجبى
اعتقد البدل في واج صحيحاً، لأن القطعة جيمية، فالوصل ياء محضة.
وهذا الاستشهاد من دقائق سيبويه، ولطائفه التي بز فيها الممارى، وسبقَ المُجارى.
وله ايضا:
) فَمَتَى أقُومُ بِشُكْرِ ما أوْلَيْتَنى ... والقوْلُ فيكَ عُلُوُّ قَدْرَ القائِلِ (
أي أن مدحك يُسرف مادحك، فكما شكرتك على نوالك بالشعر، رفع شعري فيك من قدري، فاقتضاني الشكرُ على ذلك شُكراً آخر، إلى غير نهاية.) فمتى أقوم بشكرك (يُوئسُ نفسه من القيام بشكره، ويجعله داخرً في الامتناع.
فهذا استفهام فيه معنى النفي، أي لا أقوم بشكر ذلك أبداً.
وله ايضا:
) كأن على الجَوانِبِ منه ناراً ... وأيدي القَوْمِ أجْنحةُ الفَرَاشِ (