أما اليوم فإننا ننيخ المطايا ونقف أمام بائية شوقي، قال شوقي في هذه القصيدة: سلوا قلبي غداة سلا وثابا لعل على الجمال له عتابا ويسأل في الحوادث ذو صواب فهل ترك الجمال له صوابا ولي بين الضلوع دم ولحم هما الواهي الذي ثكل الشبابا وكل بساط عيش سوف يطوى وإن طال الزمان به وطابا كأن القلب بعدهم غريب إذا عادته ذكرى الأهل ذابا ولا ينبيك عن خلق الليالي كمن فقد الأحبة والصحابا أخا الدنيا أرى دنياك أفعى تبدل كل آونة إهابا فمن يغتر بالدنيا فإني لبست بها فأبليت الثيابا لها ضحك القيان إلى غبي ولي ضحك اللبيب إذا تغابى جنيت بروضها ورداً وشوكاً وذقت بكأسها شهداً وصابا ولم أر مثل حكم الله حكماً ولم أر مثل باب الله بابا إلى أن قال في مدح سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: وعلمنا بناء المجد حتى أخذنا إمرة الأرض اغتصابا وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا تجلى مولد الهادي وعمت بشائره البوادي والقصابا وأسدت للبرية بنت وهب يداً بيضاء طوقت الرقابا لقد وضعته وهاجاً منيراً كما تلد السماوات الشهابا أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا مدحت المالكين فزدت قدراً فلما مدحتك اقتدت السحابا هذه بعض الأبيات من بائية شوقي رحمه الله رحمة واسعة.
إن شوقي في هذه القصيدة حاول أن يبدأ أولاً بالحكم، ثم يبين عالمية النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وعلمنا بناء المجد حتى ثم انتقل إلى يوم مولده صلى الله عليه وسلم، ثم حرر ذلكم الإسداء القدري الذي جعله الله على يد آمنة بنت وهب يوم أن وضعت رسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال يخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم: (أبا الزهراء) معتمداً على ما في ذاكرتنا الإسلامية التاريخية من عظيم محبة النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، ثم بين جملة بلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر بعد ذلك أنه قدر له -أي: شوقي - أن يمدح كثراً من ملوك وسلاطين عصره، وأنه مدحهم على بينة وعلى علم فنال حظوة عندهم، ونال منزلة عند الناس بمدحه لهم، لكنه يقول: لما مدحتك أي: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدت السحابا بمعنى: أنني أصبحت أتحكم فيها، وهو يقصد أنه بلغ ذروة في المجد عالية جداً، ببركة مدحه لرسول صلى الله عليه وسلم، هذا هو الإلمام الشامل لقصيدة شوقي رحمة الله تعالى عليه.