بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت عليها السماوات والأرض ولأجلها كان الحساب والعرض، هي عماد الإسلام، ومفتاح دار السلام.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، نبي سلم الحجر عليه، ونبع الماء من بين أصبعيه، فصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهذا لقاء نتابع فيه المدائح النبوية؛ تلك القصائد التي قيلت في خير البرية صلى الله عليه وسلم، واليوم سنقف مع قصيدة للدكتور عبد الرحمن العشماوي الشاعر الإسلامي السعودي المعاصر، في قصيدة جعل عنوانها: حداء الهجرة.
وهي قصيدة تعنى بالنبي صلى الله عليه وسلم جملة، وبحادثة الهجرة على وجه الخصوص من سيرته صلوات الله وسلامه عليه.
وكما جرت العادة فسنقرأ شيئاً من الأبيات، ثم نعلق عليها تعليقاً يغلب على الظن أننا نحاول أن نجلو فيه شيئاً من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال الدكتور عبد الرحمن العشماوي في ذكرى هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم: تسري فيرتاح الظلام من السرى ويفر من أجفان أنجمه الكرى ويفيض وجه هلاله بسعادة فيصير حين يراك بدراً نيراً ويراك مصدر ما صفى من نوره أعظم بنور كنت فيه المصدرا تسري فيلتهم الطريق خطاك في شوق ويضحك تحت نعليك الثرى يلقي إليك الرمل ألف تحية ولو استطاع لصار حقلاً أخضرا والغار يصبح واحة من فرحة لما يرى في ليل وجهك مسفرا ما ضمك الغار المحب وإنما ضم الندى والغيث حتى أزهرا ظن النبوة منبعاً يجري على أرض الكرامة والأمانة كوثرا تسري فيورق كل غصن ذابل ويصير من بعد الجفاف الأنضرا ويدر ضرع الشاة وهي هزيلة لبناً ألذ لشاربيه وأوفرا أسرجت خيل الحق في غسق الدجى وخرجت والتاريخ يبصر ما يرى فمررت من بين الرجال كأنهم خشب وسلمت الأمانة حيدرا احثوا التراب على الرءوس ولا تخف فعيون من وصدوا طريقك لا ترى تسري فيهتف من قباء هاتف شغفاً ويلقاك العقيق مكبرا هذه ثنيات الوداع تألقت لما رأت ليل المدينة مقمرا ماذا أقول إذا كتبت مدائحي إني أراك من المدائح أكبرا فأقول ما يرضي عقيدتك التي أجريت منها في المشاعر أنهرا فلأنت عبد الله أنت رسوله يرضيك أن تدعى بذاك وتذكرا صلوات الله وسلامه عليه، وحقاً كما قال الدكتور العشماوي؛ فنبينا صلى الله عليه وسلم لا يرضيه شيء أعظم من أن يقال: إنه عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.
وأما التعليق على الأبيات أيها المباركون! فإن الشاعر ذكر أن القصيدة تعنى بقضية الهجرة، وأحرر القول هنا حول الهجرة فيما يلي: يجب أن نعلم أن الهجرة بدأت مع البعثة، فالبعثة والهجرة في أيام ولدتا واحدة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم من سيرته أنه لما نزل خائفاً وجلاً من الجبل قال: (دثروني دثروني)، ودثرته خديجة، وناداه ربه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1]، وزملته خديجة وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] وأخذته خديجة إلى ابن عم لها يقال له: ورقة بن نوفل، وورقة هذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن قومه سيخرجوه، فقال صلى الله عليه وسلم في أيام البعثة الأولى مستفهماً: (أومخرجي هم؟ قال: نعم)، وهذا يدل على أن الهجرة والبعثة وجدتا في أيام واحدة، فهذا إرهاص عن طريق ورقة بن نوفل يسوقه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كي يوطئه بأن يقبل الهجرة.
وكانت قبل الهجرة إلى المدينة الهجرة -كما هو معلوم- إلى الحبشة لبعض الصحابة، ولم يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أي ديار قبل المدينة، لكن ما الفرق ما بين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة؟ قبل أن نبين الفرق نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما هاجر إلى المدينة إلا والإسلام قد دخل أكثر بيوتها، فالهجرة إلى الحبشة هجرة إلى دار أمن، وأما الهجرة إلى المدينة فهي هجرة إلى دار أمن وإيمان بخلاف الهجرة إلى الحبشة، والآن بعض المسلمين في بعض البلدان مضطرون للهجرة لأي سبب سياسي أو اقتصادي أو شخصي وهذا ظاهر عياناً واقع مشهود نعيشه، فالحمد الله هنا على نعمة الأمن والإيمان.
فالمقصود: أن هجرتهم إلى السكنى في الغرب، منهم من يذهب إلى استراليا، كمثال، فالهجرة إلى استراليا ليست هجرة إلى دار إيمان، لكنها هجرة إلى دار أمن، فكذلك المهاجرون الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة هاجروا إليها باعتبار أنها إلى دار أمن.
إذاً: فهذا يسوغ شرعاً للمؤمن إذا خاف على دينه أن يهاجر إلى دار أمن، وأما الهجرة إلى المدينة فكانت هجرة إلى دار إيمان، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر:9]، فالدار المدينة، والإيمان ذلك الذي كان يملأ القلوب، وأكثر أهل المدينة من الأنصار من أهل الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا تفريق ما بين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة، وبينا أن الهجرة ولدت مع أيام البعثة، فقد قال لـ ورقة بن نوفل: (أومخرجي هم؟).