قال شوقي في همزيته: يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت بك العلماء نعلم جميعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له الملك أول ما رآه: (اقرأ، قال: ما أنا بقارئ) أي: لا أجيد القراءة، فهذا الأمي عليه الصلاة والسلام الذي لا يجيد القراءة علم الله جل وعلا به الأمة كلها، وهذا معنى قول شوقي: يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت بك العلماء فهو صلى الله عليه وسلم أفضل معلم للبشرية، وفي دعوة أبيه إبراهيم: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:129].
وإذا أردنا أن نتكلم عن العلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا باب مستفيض، لكني أذكر أحداثاً وأعلق عليها، ولعل في هذا طريقاً جيداً للوصول إلى الغاية.
قال عمر رضي الله عنه كما في حديث جبريل المشهور في صحيح مسلم: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد سواد الشعر، شديد بياض الثياب، ولا يعرفه منا أحد).
فلماذا قال عمر: (شديد سواد الشعر، شديد بياض الثياب ولا يعرفه منا أحد)؟ إن المجتمع النبوي في المدينة مجتمع صغير، فلا يوجد رجل في الحلقة لا يعرفه كل الناس؛ لأنه لو كان غريباً لا يعرفه الناس الجميع لا يعرفونه فمعناه أنه من الأعراب، فإذا كان من الأعراب الذين قدموا فسيظهر عليه أثر السفر، لكن الذي استوقف عمر هنا أن هذا الرجل رجل شديد سواد الشعر، شديد بياض الثياب، ومع ذلك ليس قادماً من الأعراب، وليس من أهل المدينة، فهذان الوصفان في العادة لا يجتمعان.
قال: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه)، وقد قال العلماء: إن هذه من طرائق طلب العلم، فأخذ جبريل يسأل وهو يعلم الإجابة، قال: أخبرني عن الإيمان، أخبرني عن الإسلام، ويسأله عن أشراط الساعة، فهذه الأسئلة تسمى عند العلماء سؤالات جبريل.
ما معنى سؤالات جبريل؟ أحياناً يكون هناك عالم في المجلس وأنت تعرف الإجابة، لكنك تسأل حتى يستفيد الحاضرون، فجبريل عليه السلام يعرف ما هي أركان الإيمان، ويعلم ما هي أركان الإسلام، ويعلم ما هي أشراط الساعة، ولما قال: (أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: علمي وعلمك سواء، لكنه أراد جبريل بهذه الطريقة أن يعلم الصحابة، والموقف في جملته لنا طلبة العلم طريق في قضية كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه.