وفي غزوة الخندق حصل أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه شاب من الأنصار يستأذنه في أنه لا يستطيع أن يرابط مع الجيش؛ لأنه حديث عهد بعرس، فأذن له، وقبل أن أذكر حكاية هذا الشاب نذكر أصل الحديث: كان أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ذات يوم يصلي، فجاءه أحد أصحابه من التابعين يستأذن عليه فوجده يصلي، فهذا الرجل مكث في البيت ينتظر أبا سعيد أن يفرغ من صلاته، فإذا بحية في عراجين البيت في الشجر في السقف، فقام الشاب ليقتلها، فإذا بـ أبي سعيد وهو في صلاته يشير إليه أن امكث مكانك، فمكث الرجل، فلما فرغ أبو سعيد من صلاته أخذ بيد الشاب وأخرجه من البيت وأشار إلى بيت غير بعيد من بيت أبي سعيد، وقال: انظر أترى ذلك البيت؟ قال: نعم، قال: إن ذلك البيت كان لفتىً منا معشر الأنصار، هذا الفتى هو الشاب الذي تكلمنا عنه آنفاً، فقد كان حديث عهد بعرس، فكان في يوم الخندق يحفر معهم، ثم إذا حل المساء يستأذن، فذات مرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ سيفك معك فإني أخشى عليك بنو قريظة) أي: اليهود من بني قريظة، فأخذ السيف وعاد إلى بيته ومعه سلاحه وسيفه ورمحه، فوجد زوجته وهو حديث عرس بها خارج الدار، فأخذته الغيرة فسل سيفه غاضباً، فأشارت إليه زوجته وعروسه إلى داخل الدار، فدخل الدار فوجد حية ملتوية على سريره، فضربها، قال أبو سعيد: فلا يدرى أيهما أسبق موتاً الفتى الأنصاري أم الحية، أي: ماتا سوياً، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: (إن في المدينة إخواناً لكم من الجن، فإذا رأيتم مثل هذا فحرجوا عليه ثلاثاً) أي: لا تقتلوه مباشرة.
فهذا خبر عن الجن وعلى أنه كان بعضهم يسكنون المدينة، وأنهم مؤمنين برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم.