والفرق بينهما أن المسجد الأقصى مكان مبارك ومقدس، لكن مكة والمدينة حرم، ولا يقال للمسجد الأقصى إنه حرم إلا من باب التغليب، وإنما ورد في الشرع أن الحرمين اثنان: مكة والمدينة، وأما بيت المقدس فهي أرض مباركة، قال الله: {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:137]، وهناك فرق بين كونها مباركة وبين كونها حرماً، فلا يمنع الصيد بالمسجد الأقصى ولا في قاعة بيت المقدس، أي: في مدينة القدس اليوم، بخلاف مكة والمدينة فإنهما حرم، لكن يجوز من باب التغليب عندما نشركها سوياً كأن نقول: المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، فباب التغليب باب واسع.
ومن باب التغليب أن العرب تقول للشمس والقمر: القمران، ويقصدون الشمس والقمر، لكن غلبوا القمر على الشمس بالذكورية؛ لأن لفظ القمر مذكر، كما يقال الحسنان عن الحسن والحسين، فنغلب الحسن؛ لأنه أكبر من الحسين، ويقال: العمران لـ أبي بكر وعمر؛ لأن أبا بكر اسم مركب تركيب إضافي، وأما عمر فهو اسم مفرد، والمفرد يقدم على الاسم المركب.
وهكذا يقال عن مكة ومدينة: المكتان؛ على أن مكة أفضل عند جمهور العلماء خلافاً لـ مالك ومن يرى رأيه أن المدينة أفضل.
فالذي يعنينا أنه يمكن أن يقال عن المسجد الأقصى حرم من باب التغليب، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته وكذلك مكث بعد الهجرة ستة عشر شهراً وهو يصلي جهة بيت المقدس، حتى أنزل الله جل وعلا قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144].
نعود إلى همزية شوقي التي هي المنطلق في الحديث، قال شوقي: تغشى الغيوب من العوالم كلما طويت سماء قلدتك سماء وهذا منزلة عالية في الفصاحة والبلاعة.
قوله: قلدتك سماء، أي: أنه صلى الله عليه وسلم هو الزينة للسماء، وهو الفخار لها، فكان بمروره عليها تزدان السماء به، وهذا من التوفيق، وقد سبق الشعراء شوقي إلى هذا المعنى، لكن شوقي في صياغته كان أسبق من الشعراء في علو منزلته