واستنبط العلماء كذلك من حادثة الإسراء والمعراج أن الله جل وعلا -وقد مر معنا هذا إجمالاً- يكافئ على النضير، أي: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، فـ جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة قطعت يداه، فكافأه الله جل وعلا بجناحين يطير بهما في الجنة، وإبراهيم بنى لله البيت -الكعبة- فجعله الله جل وعلا يتكئ على البيت المعمور، والله يقول كما مر معنا في لقاء ماضي: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، والله كما قال: {لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120].
وفي رحلة الإسراء والمعراج وجد الارتباط التاريخي ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات والمسجد الأقصى لم يدخل في ديار المسلمين، والله يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]، ونحن لا نقول أقصى إلا إذا كان بيننا وبينه مسجد آخر، وهما طرفان: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فلا بد أن يكون هناك وسط حتى يعرف أن هذا أقصى، فلو كانا اثنين لا يتحرر معنى كلمة أقصى إلا بوجود وسط، فهذا فيه إشارة إلى أن هناك مسجداً سيبنى ما بين مكة والمسجد الأقصى؛ لأن حادثة الإسراء والمعراج قبل الهجرة، ولم يكن بناء المسجد النبوي إلا بعد الهجرة، فلما بني المسجد النبوي اتضح لنا لماذا سمي بيت المقدس بالمسجد الأقصى، فأصبح المركزي -الوسط- المسجد الحرام، وبعده في جهة الشام شمالاً المسجد النبوي؛ لأن قبلة أهل المدينة جنوب، ثم بعد ذلك المسجد الأقصى.