مثال يوضح هذا: تقديم مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبق عليهم، وعجزوا عن الخروج، فتوسلوا بأعمالهم الصالحة، فكان منهم الرجل البار الذي يأتي باللبن إلى أبيه وقد نام فينتظره حتى يستيقظ، والصبية يتضاغون من الجوع، الآن سقت مساق مدح وإلا ذم؟ مدح، لو نظرنا إليها بالمنظار الشرعي، وقلنا: ما ذنب هؤلاء الصبية ينتظرون هذا الشيخ الكبير حتى يستيقظ؟ لو سكب لهم في إناء وأعطوا نصيبهم، وانتُظر الشيخ الكبير حتى يستيقظ، هل في هذا مخالفة؟ ما فيه مخالفة إجراء طبيعي، بل أهل العلم في باب النفقات يقدمون الأولاد على الوالدين في الحكم، لكن لماذا سيقت هذه القصة مساق المدح؟ لأن فيها تقديم مراد الله ومرد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس، النفس لا شك أنها تميل إلى الأولاد أكثر من ميلها إلى الآباء والأمهات، هذا معروف والنفس مجبولة على هذا، ولذلك لما حصل الحريق الذي قبل عشر سنوات في منى، سأل شخص أنه حصل الحريق ومعه أبوه ومعه أطفال صغار، أبوه مقعد، فحمل الأطفال الصغار وهرب بهم، واحترق الأب في الخيمة، ولا بد أن يحترق هذا وإلا هذا، المسئول عن هذه المسألة بكى بكاء شديداً كيف تقدم صبية صغار على أبيك الذي حقه عليك أعظم الحقوق بعد حق الله -جل وعلا-؟! لا شك أن في مثل هذه المواطن يتبين ما في القلوب، فتفدية النبي -عليه الصلاة والسلام- باللسان أو قراءة المدائح أو حتى الشمائل أو الصلوات البدعية التي تذكر في كثير من أقطار العالم الإسلامي، وقفنا على بعض هذه الكتب مطبوع بالذهب، وهي لا يشهد لها لا عقل ولا نقل، مملوءة بالموضوعات، ومع ذلك يدعون محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران] المعول على الاتباع، إن اتبعت فأنت حاب ومحبوب، وليس العبرة وليس الشأن في أن تحب الشأن والله كل الشأن أن تُحَب، سهل على الإنسان أن يقول: والله أنا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ثم إذا جاء موقف محك خرجت النتيجة صفر، كم من إنسان يدعي اليقين ويدعي الثبات، وإذا تكلم أثر في الناس،