ثم في المحك لا شيء، إذا نزلت به المصيبة ونزل به كرب ضاع كل شيء من هذا الكلام النظري، والله المستعان.
"فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" يعني أفديك بأبي وأمي يا رسول الله "إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " أسكت إسكاتاً، وهو مصدر، وفي الرواية الأخرى: "أرأيت سكوتك" وهو مصدر سكت يسكت سكوتاً، "بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " فيقول: "قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) " يعني أقول دعاء الاستفتاح، وفي هذا رد على المالكية الذين لا يرون مشروعية دعاء الاستفتاح.
"قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب)) " هل المطلوب أن توجد الخطايا لكن يكون مكانها بعيداً عني، أو أن لا توجد الخطايا أصلاً؟ أولاً: الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم، معصوم فنسبة الخطايا إليه إنما هي ليقتدى به في هذا الذكر وإلا فهو معصوم.
الأمر الثاني: أن الإنسان حينما يطلب المباعدة بينه وبين خطاياه، يعني لو كان اللفظ: اللهم باعد بيني وبين الخطايا ظاهر، يعني ألا تقع أصلاً، لكن ظاهر قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) يعني التي وقعت مني ((كما باعدت بين المشرق والمغرب)) وليس هذا مراد، وإنما المراد أن يحال بينه وبين الخطايا أن لا تقع، وإذا وقعت أن يمحى أثرها بالمغفرة ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)) ونسبة الخطايا إلى النفس في هذا الحديث إنما هي باعتبار أن لو فعلها، لكنه يدعو أن يحال بينه وبين الخطايا فيكون بعيداً عنها، وتكون بعيدة عنه كبعد المشرق والمغرب، والبعيد هذه المسافة لا يتصور أن يقع.
((كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) فالدعاء الأول قبل وقوع هذه الخطايا، والثاني بعد وقوعها، بعد وقوعه في هذه الخطايا، بعد مقارفة هذه الخطايا ((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) الدنس يظهر في الثوب الأبيض أكثر من غيره من الألوان، الثوب الأبيض هو الذي يظهر فيه الأثر سريعاً، بينما الألوان الأخرى قد لا يظهر الأثر، وقد يظهر ضعيفاً، فاختير الثوب الأبيض لأنه يظهر فيه الأثر أكثر من غيره.