يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث:
"وعنه" يعني وعن أنس صاحبي الحديثين السابقين "-رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " الواو قسم ((الذي نفسي بيده)) مقسم به، والنفس هي الروح، وبيده: فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته.
كثير من الشراح حينما يتعرضون لشرح هذه الجملة: ((والذي نفسي بيده)) يقول: "والذي روحي في تصرفه" ولا شك أن هذا حيد عن إثبات الصفة التي هي إثبات اليد لله -جل وعلا-، نعم، الأرواح في تصرف الله -جل وعلا-، ولا أحد ينكر هذا، لكن هذا من اللازم، تفسير اللفظ باللازم خلاف قول أهل السنة والجماعة، تأويل الرحمة مثلاً بإرادة الإنعام، تأويل الغضب بإرادة الانتقام، تأويل اليد هنا بالتصرف، كل هذا خلاف ما عليه سلف الأمة وأئمتها.
((والذي نفسي بيده)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم، كثيراً ما يقول: ((والذي نفسي بيده)) وقد يقول: ((لا ومقلب القلوب)) حُفظ عنه القسم في مواضع كثيرة، وهذا يكون على الأمور المهمة شرعاً،
أما الكثرة أو الإكثار من القسم في الأمور غير المهمة جاء {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] فلا يبتذل في غير الأمور المهمة، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع في كتابه {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(53) سورة يونس] في سورة يونس، وفي سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(3) سورة سبأ] وفي التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [(7) سورة التغابن] فالقسم على الأمور المهمة وارد شرعاً، بل مطلوب ليعظم هذا الأمر، يعظم ما عظمه الله ورسوله.
((والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد)) هناك: ((لا يؤمن أحدكم)) أحدكم مثل ما قلنا: مفرد مضاف يعم ويشمل الرجال والنساء لدخولهن في خطاب الرجال، وهنا قال: ((لا يؤمن عبد)) نكرة في سياق النفي فتكون عامة لمن اتصف بهذا الوصف من الرجال وفي حكمهم النساء.