وعلى هذا هل تصلح مخالطة المرضى على هذا القول؟ يعني هل مخالطة سليم لمريض مثل مخالطة سليم لسليم؟ هي سبب، ولذا جاء الأمر بالفرار من المجذوم، منهم من يقول: أبداً مخالطة الصحيح للمريض كمخالطة الصحيح للصحيح ولا أثر للمخالطة، فكونك تخالط فلاناً مريض كمخالطتك لفلان الصحيح، فيباشر المريض، إذاً النهي ((فر من المجذوم)) ((لا يورد ممرض على مصح))؟ يقول: إيه من باب سد الذريعة، عندك الحديث: ((لا عدوى)) صحيح فإذا خالط الصحيح المريض ومخالطته لا أثر لها البتة فإذا خالطه وقد قدر الله -جل وعلا- أن يمرض هذا الصحيح بنفس المرض بغض النظر عن المريض الثاني قد يقع في قلبه تكذيب لحديث: ((لا عدوى)) فلهذا أمر بالفرار منها وإلا ما ينتقل، ما في فرق.
المقصود أن المخالطة مطلوبة وإلا ممنوعة في الشرع؟ ((فر من المجذوم)) ((لا يورد ممرضٌ على مصح)) صحيح هذا فأنت تتقي، إما أن تتقي السبب الذي جعله الله تعالى في مخالطة المريض، والمسبب هو الله -جل وعلا-، أو تتقي لئلا يقع في نفسك شيء بعد الإصابة بالمرض فتضطر إلى تكذيب الخبر الصحيح، وكلاهما ممنوع.
كأن الأطباء يقررون أن التأثير موجود، تأثير المخالطة موجود، وهو ماشٍ على القول الأول عند أهل العلم وهي أن المخالطة سبب، وليست بسببٍ محقق كغيرها من الأسباب، قد يوجد المسبب عند حصول السبب، وقد يتخلف حصول المسبب مع وجود السبب لوجود مانع مثلاً، على كل حال من جزم بأن المرض لا يتعدى بنفسه ولا يسري وإنما الذي ينقل المرض من المريض إلى السليم هو الله -جل وعلا- له أن يختار هذا القول، بس إياه إياه أن يرى تأثير السبب استقلالاً، كقول المعتزلة.
"كالأمر .. " يقول:
وغيره معارضٌ إن أمكنا ... بينهما الجمع فقد تعينا
كالأمر إن عورض بالجواز في ... تركٍ لمأمورٍ إلى الندب اصرفِ