ولأن ثَمَّ بعضًا من الحيوانات قد تدرك بعض ما يدركه الإنسان، ولذلك بعض الحيوانات قد تنطق ببعض الألفاظ ولا تكون ناطقةً، لماذا؟ لأن النطق الذي هو التكلم والتلفظ إنما يراد به على وجه التمام أو الكثير، وأما إذا أطلق الببغاء مثلاً بعض الألفاظ هذا لا يسمى ناطقًا مساويًا للإنسان، لماذا؟ لأن نطقه وتلفظه هنا غيرَ كثير فحينئذٍ لا يعتبر ذلك في حقه نطقًا ولا تلفظًا ولا كلامًا لا يقال بأن الببغاء يتكلم أو غيره من الحيوانات، حينئذٍ الإدراك الكُلِّي المراد به الإدراك الكثير الذي يحصل من الإنسان حينئذٍ لو وقع نوع إدراك من الحيوان هذا لا يسمى ناطقًا أو منطقيًّا لوجود الإدراك، أليس كذلك؟ ولذلك بعض البهائم قد تتعود على بيت من بيوت، الحمار مثلاً إذا أُخِذَ وذُهِبَ به حينئذٍ يعتاد على البيت ويعرف، هذا نوع إدراك هذا يعتبر ماذا؟ نوع إدراك، الحمام إلى قفصه يذهب ويأتي، هذا نوع إدراك، لكنه ليس بالكثير حينئذٍ لا يكون نطقًا ولا يسمى منطقًا عند هذا الصِّنْف.
[وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي]، ومنه ناطق في تعريف الإنسان، أي مدرك إدراكًا كليًّا، أي كثيرًا. وخرج بـ (كليًّا) إدراك غير الإنسان من الحيوان، فلا يسمى منطقًا ونطقًا، وهو على هذا يكون مصدرًا ميمًا، [والقوة] هذا النوع الثاني الذي يطلق عليه المنطق قبل جعله عالمًا على الفن المخصوص، [والقوة التي هي محل صدور الإدراك]، يعني ما يسمى بالقوة العاقلة عندنا إدراك، وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه. أين يوجد؟ يوجد مثلاً في القلب أو في الدماغ أو نحو ذلك، محل صدور هذه القوة العاقلة يسمى منطقًا، إذًا يطلق على الإدراك نفسه ويطلق كذلك على محل صدور الإدراك، إذًا هذا يسمى منطقًا وهذا يسمى منطقًا، لكن إطلاقه على الأول إدراك الكلي يكون مَنْطِقْ مَفْعِلْ مصدرًا ميميًّا، وعلى الثاني يكون اسم مكان، الإطلاق الثالث [وللتلفظ الذي يبرز ذلك] التلفظ، يعني: النطق. والنطق هو الذي يخرج المكنون في الصدور، حينئذٍ يُدرك ويكون إدراكه بالقوة العاقلة ثم يكون شيئًا في النفس لا يصل إلى المخاطب أو إلى الآخر حينئذٍ نقول: التلفظ بذلك الذي هو الإدراك الحاصل بسبب القوة العاقلة نقول: التلفظ بذلك يسمى منطقًا. [وللتلفظ الذي يبرز ذلك]، [يبرز ذلك] أي يظهره. إذًا هذه ثلاثة أنواع للفظ المنطق قبل جعله علمًا للفن.
الأول: الإدراك الكُلِّي.
الثاني: القوة العاقلة. التي عبر عنها بقوله: [محل صدور الإدراك]، وعلى التلفظ، يعني النطق تلفظ، وهذا الفن يلاحظ فيه هذه الأمور الثلاثة:
الإدراك الكلي، والقوة العاقلة، والتلفظ.