حينئذٍ نقل هذا اللفظ إلى العلم المخصوص مراعًا فيه هذه المعاني الثلاثة، إذًا كلها موجودة في فن المنطق عندنا إدراك كُلّي، وعندنا محل صدور ذلك الإدراك، وعندنا لفظ تلفظ، ولذلك سيأتي أبواب تتعلق باللفظ، لماذا؟ لأن اللفظ هو الذي يبرز هذه الإدراكات التي تكون في النفس وإلا ما الذي أدراني أنك أدركت لو لم تخبرني بلفظك بأنك أدركت معنى كذا ما حصل لي الخبر بذلك، لأن الإدراك قد يكون في النفس ويراد به للنفس ولا إشكال، وقد يراد به لغيره من أجل أن تخبر غيرك حينئذٍ نقول هنا لا بد من التلفظ. إذًا يطلق على الإدراك، وعلى القوة العاقلة، وعلى النطق، وهو: التلفظ، وهذا الفن به يكثر الإدراك ويصيب، وبه تتقوى القوة العاقلة وتكمل، وبه تكون القدرة على النطق، فلما كان له ارتباطًا بكل من هذه المعاني الثلاث سمي بذلك، ولذلك قال الشارح: [لأن بذلك العلم يصيب الإدراك]. بهذا العلم يصيب الإدراك، لأن الإدراك قد يدخله الخطأ وقد يكون صوابًا، إذًا ليس كل إدراك يكون صوابًا، حينئذٍ الإدراك هذا لما دخله الخطأ إنما يكون صوابه بإقامة هذا العلم، الذي هو المنطق على ما يدعيه، حينئذٍ نقول: الإدراك قد يكون صوابًا، وقد يكون خطأً، إذا كان كذلك ما الذي يُقَوِّمُ هذا الإدراك ويميز صوابه من خطأه؟ هو هذا الفن، ولذلك قال: [لأن بذلك العلم يصيب الإدراك، وتتقوى القوة العاقلة]. لأنه يعلم أنه إذا أراد الوصول إلى التصور المجهول، إنما يأتي إليه بطريق كذا وكذا، وإذا أراد التصديق المجهول إنما يأتي إليه بطريق كذا وكذا، إذًا ثَمَّ ضوابط، مراعاتها حينئذٍ يتقوى به القوة العاقلة، وتكون عنده ملكة في معرفة وإدراك الأشياء، كما يقال في فن الأصول: إذا أدرك القواعد على وجهها حينئذٍ نقول: صار عنده ملكة يستطيع بها أن يميز الدخيل من غيره، وكذلك هنا [وتكون القدرة على التلفظ المبرز لذلك الإدراك فهو] حينئذ [من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به]، [من تسمية الشيء]، (فهو) أي لفظ المنطق الذي أطلق على العلم الخاص، ما وجه المناسبة بين الفن أو العلم الخاص وهذا اللفظ من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به؟ إذًا تعلق هذا الفن بهذه الثلاث المعاني فلذلك نقل هذا اللفظ المنطق إلى تلك أو ذلك الفن، ثم بعد مراعاة هذه المعاني الثلاث صار حقيقةً عرفية في العلم المخصوص، بمعنى أنه إذا أطلق لفظ المنطق لا يفسر بالإدراك الكلي، ولا يفسر بالقوة العاقلة، ولا يفسر بالنطق، وإنما يفسر بماذا؟ بالعلم الآتي ذكره، وهو: الفن المخصوص. إذًا التسمية أو هذه المعاني الثلاث مراعاة في التسمية، هي سبب للتسمية، لماذا سمي منطقًا؟ تقول: لقوله كذا وكذا وَكذا، لأنه يطلق ويراد به كذا في الأصل، ثم نقل إلى المعنى أو الحقيقة العرفية فصار جامدًا من حيث دلالته على المعاني السابقة، كما هو الشأن في سائر الأعلام التي يراعى فيها المعاني قبل جعلها علمًا، ثم إذا صارت أعلامًا حينئذٍ نقول: جرد ذلك اللفظ عن تلك المعاني التي كانت سابقة قبل الْعَلَمِيَّة. ولذلك قال: [ثم صار حقيقة عرفية].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015