إلى آخره، القدر المشترك الذي نجده في هذه الجزئيات نحكم بها على الحيوان، فحينئذ نقول: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ بناءً على ماذا؟ على استقراء بعض الأجزاء بعض الجزئيات، [إذا تصفحنا جزئيات من الحيوان كالإنسان والفرس والحمار فوجدناها تُحرك فكها الأسفل عند المضغ فحكمنا بحكم تلك الجزئيات]، انظر الكلام في الحكم، استدلال ليس بالجزئي وإنما بحكم الجزئي، ... [فحكمنا بحكم تلك الجزئيات على كليها وهو الحيوان، وقلنا: كل حيوان طلعنا بنتيجة، كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ] ما الدليل؟ الاستقراء، بماذا أثبتت أن كل حيوان إلى آخره؟ تقول: دليلنا هو الاستقراء، الاستقراء والتتبع، [ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا]، يعني الاستقراء عرفنا ما هو تصفح الجزئيات ثم نأخذ حكمه فنثبته للكل انتهينا. فبالاستقراء نوعان:

استقراء جزئي ناقص.

واستقراء كلي تام كامل.

إن كان التصفح لأكثر الجزئيات وتركنا بعضها هذا يسمى استقراءً ناقصًا، وإن تصفحنا جميع الجزئيات لم نترك واحدًا منها، نقول: هذا استقراء تام.

الأول: هذا يفيد الظن يعني لا يكون دليلاً قطعيًّا.

الثاني: الاستقراء التام يكون قطعيًّا بمعنى أنه دليل حجة يحتج به، ولذلك قد يستقرأ الكتاب والسنة في مسألة ما خاصة في باب المعتقد فيثبت به يعني بالاستقراء الحكم الشرعي، ويكون قطعيًّا ولا يجوز خلافه البتة، وأما الاستقراء الناقص فهذا لا يعتبر حجة كما هو مذهب كثير من الفقهاء في أقل الحيض وأكثر الحيض ووجدنا النساء كذا هذا استقراء لكنه استقراء ناقص لأنه يمتنع أن يكون الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو مالك أن استقرأ جميع نساء العالم هذا بعيد ممتنع، حينئذ نقول: هذا استقراء لكنه ناقص يفيد الظن لا يكون دليلاً يعني يلزم به الخصم، [ثم إن كان المتصفح أكثر الجزئيات سمي الاستقراء ناقصًا]. هنا قال: أكثر الجزئيات. إذا لو تصفح النصف فأقل لا يسمى استقراءً عند المناطقة وهو كذلك، عند المناطقة لا يسمى استقراءً، ولذلك قال: أكثر الجزئيات. يعني ما زاد عن النصف، ما يصدق عليه بأنه أكثر، فإن كان النصف فأقل لا يسمى استقراءً عند المناطقة وهو كذلك، وإن كان الفقهاء يخالفون في ذلك، يعني استعماله يتساهلون فيجعلون استقراء النصف أو أقل بأنه استقراء ناقص فيختلفون، [كالمثال المتقدم] هذا استقراء ناقص، [وإن كان المتصفح جميع الجزئيات [كان استقراء أي نعم] (?) كأننا استقرأنا جزئيات الحيوان فوجدنا بعضها ماشيًا وبعضها غير ماشي، ووجدنا الماشي يموت وغير الماشي كذلك، وحكمنا على كليه وهو الحيوان وقلنا: كل حيوان يموت. سمي استقراءً تامًا]. هذا لا يحتاج {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35]، [العنكبوت: 57] حينئذ نقول كمثال:

والشأنُ لا يُعترضُ المثال ... إذ قد كفى الفرضُ والاحتمال

إذا استقرئ الحيوان بجميع جزئياته وجد بأن كل حيوان يموت، إذًا كل حيوان يموت، نقول: هذا استقراء تام، وهو حجة.

- - -

وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِي ... وَهْوَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ

وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ ... لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيلٌ جُعِلْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015