الأمر الثاني الذي يدل على أنه من قبيل الكلية [أنه قد روي أن ذا اليدين قال له: بل بعض ذلك قد كان. وهذا إنما يناقض نفي كل منهما لا نفي اجتماعهما لما تقرر من أن الموجبة الجزئية إنما تناقض السالبة] قوله: بل بعض ذاك قد كان. هذه موجبة جزئية وهو مقابل لما نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حينئذٍ سيأتي معنا تناقض هناك أن نقيض السالب الكلية موجبة جزئية، فدل بقوله: بل بعض ذاك قد كان. أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». أنه من قبيل السالبة الكلية، وهذا يدل على أن بعض مسائل المنطق متكررة في الطباع لأنها أمر معلومة، ولذلك لو قلت: ما جاء أحد من الطلاب. قلت: بل بعض الطلاب قد حضر. إذًا السالبة لم يحضر أحد من الطلاب هذه سالبة كلية، كيف أنقضها؟ بل بعض الطلاب قد حضر «كل ذلك لم يكن». لا القصر ولا النسيان، بل بعض ذلك قد كان، إذًا فهم الصحابي أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». سالبةٌ كلية وفهم الصحابة مقدم على فهم الأخضري، [ولأن القاعدة] الأمر الثالث [القاعدة الغالبة أن كُلاً]، يعني: لفظ كل، [إذا تقدمت على النفي كان الكلام من عموم السلب] عندنا أمران: سلب العموم، وعموم السلب.
سلب العموم ضابطه إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل أو على لفظ كل، ما كل، هذا يسمى ماذا؟ سلب العموم، متى؟ يجتمع معنا حرف نفي ولفظ كل، إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل فهو سلب العموم، حينئذٍ يكون هذا النوع سلب العموم إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل يكون من الكل المجموعي، إذا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من الكل المجموعي، يعني: من الضوابط، كيف تميز بين النوعين؟ تقول: إذا اجتمع لفظ كل مع حرف النفي، إذا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من الكل المجموعي، فلا يقع الحكم حينئذٍ على الموضوعي إلا مجموعًا على الهيئة المجتمعة، ولا يتبع كل فردٍ من أفراده، كقول الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يُدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهِي السفن
ما كل، إذًا تقدم حرف النفي في على لفظ كل، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، هل هذا مسلم لكل الأفراد أو لبعضها ما كل ما يتمنى المرء يدركه قد يتمنى الإنسان الشيء ويدركه، إذًا بعض ما يتمناه الإنسان يدركه، إذًا الحكم هنا على البعض لا على الجميع، على المجموع لا على الجميع، هنا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من سلب العموم، فلا يتبع الحكم كل فردٍ فَردٍ بعينه، بل على المجموع، ولذلك قولهم: ما كل بيضاء شحمة. ما كل حرف نفي ولفظ كل، تقدم حرف النفي على لفظ، ما كل بيضاء شحمة مع أن الشحمة هي بيضاء أو البيضاء قد تكون شحمة، إذًا النفي هنا للبعض لا للكل.
النوع الثاني: عموم السلب، وهو عكس السابق إذا تقدم لفظ كل على حرف النفي، فهو من الكلية، فالحكم بالمحمول على الموضوع شاملٌ لكل فردٍ فَردٍ.
قد أصبحت أُم الْخِيَار تدعي ... عليَّ ذنبًا كله لم أصنعِ