(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة وَالثَّمَانُونَ (الْمَادَّة / 86))
" الْأجر " أَي بدل الْمَنْفَعَة " وَالضَّمان " وَهُوَ الغرامة لقيمة الشَّيْء أَو نقصانه " لَا يَجْتَمِعَانِ " إِذا اتّحدت جهتهما، لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا يكون بِسَبَب التَّعَدِّي، والتعدي على مَال الْغَيْر غصب لَهُ أَو كالغصب، وَمَنَافع الْمَغْصُوب غير مَضْمُونَة، لِأَن الْمَنَافِع مَعْدُومَة، وَعند وجودهَا فَهِيَ أَعْرَاض غير بَاقِيَة، وَإِنَّمَا تقوم بِعقد الْإِجَارَة على خلاف الْقيَاس لمَكَان الْحَاجة الضرورية إِلَيْهَا، وَعقد الْإِجَارَة لَا يبْقى مَعَ صيرورة الْمُسْتَأْجر ضَامِنا، بل يرْتَفع، إِذْ لَا يُمكن اعْتِبَاره مُسْتَأْجرًا أَمينا وغاصباً ضميناً فِي آن وَاحِد، لتنافي الْحَالَتَيْنِ.
قيدنَا بقولنَا: " إِذا اتّحدت جهتهما " ليخرج مَا إِذا اخْتلفت جهتهما، وَذَلِكَ كَمَا لَو اسْتَأْجر دَابَّة لركوبه فركبها وَأَرْدَفَ وَرَاءه آخر ليستمسك بِنَفسِهِ، وَكَانَت تطِيق حمل الِاثْنَيْنِ، فعطبت بعد بُلُوغ الْمَقْصد، فَعَلَيهِ كل الْأجر وَيضمن نصف قيمتهَا، وَذَلِكَ لعدم اتِّحَاد جِهَة الْأجر وجهة الضَّمَان. وَلَو كَانَت لَا تطِيق حمل الِاثْنَيْنِ ضمن كل قيمتهَا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من الْإِجَارَة) .
وَالظَّاهِر أَنه لَا أجر عَلَيْهِ فِي صُورَة عدم إطاقتها، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يعد غَاصبا للْكُلّ من الِابْتِدَاء. كَمَا قَالُوهُ فِيمَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليحمل عشرَة مخاتيم بر مثلا، فَحمل عَلَيْهَا أَكثر دفْعَة وَاحِدَة فَتلفت، فَإِن كَانَت تطِيق مَا حملهَا ضمن بِقدر الزِّيَادَة وَوَجَب الْأجر كُله. وَإِن كَانَت لَا تطِيق ضمن كل قيمتهَا وَلَا أجر عَلَيْهِ لصيرورته غَاصبا. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هَا هُنَا فِي تَنْبِيه خَاص.